قاعدة جميلة تناقلها الحكماء للمساعدة على ضبط السلوك والالتزام بالقيم النبيلة والأخلاق السامية، وإشاعة روح المحبة والتسامح بين الناس وإحلال السلم في المجتمعات، وهي قاعدة ترسم الطريق المثلى للانتقال من الشر إلى الخير لاالعكس، وهي جديرة بالتأمل وجديرة بالتطبيق عند من يريد أن يستفيد. وكثيرة هي الأفعال والسلوكيات، التي يجب التخلي عنها قبل التحلي بسواها فمن يكذب عليه أن يتخلى عن الكذب قبل أن يتحلى بالصدق وفي هذه الحالة وفي غيرها أيضاً لن يتم التحلي قبل التخلي، وإن كانت النتيجة واحدة في الفعلين الا أن من اعتاد على الكذب يلزمه التخلي أولاً وعندما ينجح في ذلك سوف يجد نفسه قد تحلى بالصدق دون عناء، وهكذا في كل أفعال الشر يجب التخلي عنها قبل التحلي بأفعال الخير، لأن التحلي هو النتيجة المنطقية للتخلي، لكن أهمية أن يسبق التخلي تكمن في أن الاعتراف بالخطأ، أو بسوء الفعل هو من سيدفع بصاحبه نحو التخلي عن هذا الخطأ أو ذاك التصرف الخاطىء وبالتالي التحلي بالسلوكيات الحسنة والقيم النبيلة. يجب التخلي عن الفوضى والعنف قبل التحلي بالهدوء والسلم لأن من يؤمن بالعنف أسلوباً للتعبير عن الرأي وأسلوباً للحوار، لايمكن أن يتحلى بمنطق العقل والهدوء وهنا تتأكد أقدمية التخلي عن العنف والفوضى على التحلي بنقيضيهما حتى يدوم هذا التحلي ويكتب له النجاح. يجب التخلي عن خداع الناس ومغالطتهم وتضليلهم قبل التحلي بالإخلاص والنصح، وارتداء أثواب الهداية والوفاء ثم يجب التخلي عن الأنانية وحب الذات قبل التحلي بالإيثار، وهو مالم يتم قبل التخلي عن نقيضه بشكل قطعي لايقبل التنصيف والاستثناء في بعض الحالات، مثلما لن يتم التحلي بالمحبة قبل التخلي عن الحقد والكراهية. يجب التخلي عن كل مامن شأنه الإضرار بالوطن والمواطن، والإساءة لهما قبل التحلي بالوطنية إذ لايمكن التحلي هنا دون التخلي قبله، وإن قيل أن التحلي حاصل، فإن الأفعال تكشف الحقائق لأنها خير شاهد على كل حال. وبعد كل ذلك فإن ثمة أفعال وأفعال وأفعال يجب التخلي عنها مقابل التحلي بأفعال أخرى، وليست الأقوال بعيدة عن قاعدة التخلي والتحلي ولا الاحاسيس والمشاعر بمنأى عن ذلك لكنها تلتقي عند هذه القاعدة.وإن سادت الأفعال لأهميتها وخطورتها لأنها أفعال ..ويبقى المهم والأهم في قاعدة التخلي والتحلي إلى جانب الترتيب الذي أحسب أن له أهميته في نطاق الفعل الواحد، وهو أن التحلي لايكون ولن يكون الا بقول حسن أو بفعل حسن أو بإحساس حسن تجاه الغير أو بهم جميعاًً، وأحسب أيضاً أن للطعم الحلو ارتباطه بمفردة التخلي، مثلما للحٌلي ذات الارتباط وكلها توحي بطيب هذا السلوك، ومن المهم أيضاً أن التخلي لن يكون محموداً الا عن الاقوال والافعال والأحاسيس السيئة عموماً، وماجدوى التخلي اذا تخلى المرء عن محاسن الأقوال والأفعال ومكارم الأخلاق؟؟ لايكون التحلي الا بطيّب ولايكون التخلي محموداً الا عن سيء، هكذا تستقيم المعادلة وفي تفاصيل الفعلين يطول المقام والحديث وتكثر النماذج والأمثلة وهي التي نراها ونسمعها ونعايشها كل يوم، البعض منهايتخلي والبعض الآخر يتحلى والبعض لايتخلى ولايتحلى، وقليل منهم يتخلى ويتحلى كما ينبغي أن يتم ذلك، وأهم وصية في ظل هذا التداخل وجوب التخلي عن الشر والتحلي بالخير، والتحلي بالصبر أحلى الحلو وأفضل الحٌلي..