الاتفاق على فعل الخير بين مجموعة من الناس أمر غير مستغرب، لأنه ينسجم ويتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة، وله بواعثه المجردة من الأغراض الدنيئة والأهداف القبيحة، ولا حكم للاستثناء من هذه القاعدة الأخلاقية. المستغرب والممقوت حقاً هو الاتفاق على فعل الشر ومعاداة القيم النبيلة والمبادئ السامية، لأنه يتعارض مع الفطرة السليمة. تحالفات الأشرار القائمة على معاداة القيم والأخلاق لم تعد نادرة الحدوث في هذا الزمن، لكن هذا لا يعطيها شرعية ولا ينقيّها من القبح، ولا يرفعها من انحطاط ووضاعة، وتبقى ممقوتة مذمومة وإن كثرت وتعاظمت أو تعالى صوتها وارتفع. الخير والقيم النبيلة والسلوك الحسن لا يمكن لأصحابها أن يتستروا خلف الشر والقيم الوضيعة والسلوك القبيح، لكن العكس يمكن أن يحدث وكثيراً ما يحدث، إذ يتستر الأشرار بلباس الخير ويرتدون أثواب القيم النبيلة من باب التضليل والخداع ويتاجرون بمعسول الكلام للتغطية على سيء الأفعال والأعمال.. كل هذا الزيف لا يدوم كثيراً مهما بلغت براعة الأشرار، فالحقيقة لا تقبل أن تظل مغطاة إلى ما لانهاية والطباع تفضح أصحابها وتدل على أصولهم، ومثل الأصل تأتي الفروع ما لم ينسلخ الشر عن أصله في حكاية الخير والشر والسلوكيات والقيم السامية. كثيراً ما ينخدع الناس بالمظاهر وبالظاهر من القول إلى أن تنطق التصرفات والأفعال والمواقف لتعيد ترتيب المفاهيم ومعرفة الناس للناس على حقيقتهم بعيداً عن الأقنعة والخداع والزيف.. حين يبدو أحدهم فرداً أو أكثر بلباس الخير وعمامة التقوى أو بغير ذلك مما يخفي حقيقة حاله عنك ثم يصبح وقد تحالف مع أناس يملأ الشر نفوسهم وتفوح منهم روائح الحقد والكراهية وقد برهنت أعمالهم وتصرفاتهم على عدائهم للخير ومعاداتهم للقيم والأخلاق النبيلة، حينها قل هي الحقيقة أشرقت ليعلم الكل حقيقية هذا المتستر المتخفي، قل هو منهم ولا تنخدع بماضيه ولا يغرنك بالمبررات التي يسوقها لك بعد اكتشاف الحقيقة. لاتصدق أن الحقد أو الكراهية ومعاداة الخير والأخلاق والقيم يمكن أن تثمر حباً ووفاءً ولا يمكن لمن نفسه عامرة بالشر أن يحسن الظن بالخير فلا يعاديه، ولا يمكن لمن له عينان من قبح أن يرى سوى القبح، ولا يمكن لمن يفكر للإضرار بالناس ومصالحهم ويسعى لذلك سعياً حثيثاً ولو لم يفلح في مسعاه، ولو لم تصدق ظنونه في حقيقة تلك المصالح، لا يمكن لهذا أن يكون في نفسه مثقال ذرة من خير أو وفاء لأحد، وإن ادعى.. لا يمكن لمن يعادي وطناً أو يتحالف مع أعدائه أن يقول إنه مع مصلحة المواطنين ولا يمكن لمن يكره وطناً أن يحب من فيه. لا يمكن لمن يُفسد في الأرض أن يكون مصلحاً، ولا يمكن لمن يقتل بريئاً مسالماً أن يدعي أنه يناضل من أجل الناس وأنه بذلك يمنح البقية حياة أفضل، فَيَدُ القاتل لا يمكن أن تهدي وردة أو سنبلة. لا يمكن لمن يكره الناس أن يحب بعضهم.. لا يمكن لمن اعتاد على العضّ أن يقبّل، ولا يمكن لمن يطربه الموت والاشلاء ولون الدماء أن يفرح للحياة والناس.. لا يمكن لمن يعشق الشوك أن يزرع أزهاراً وسنابل.. ولايمكن لمن يحقد على الأقارب والأصحاب أن يتسامح مع الاباعد وسائر الناس. هذه هي الحقيقة التي جاءت من أروقة التاريخ والماضي البعيد وتكررت وستظل تتكرر فمن شاء فليصدقها اليوم أو غداً أو لينتظر حتى تؤلمه التجربة فلا يعتبر حتى يذوق طعم الحقيقة بنفسه، ومن شاء فلا يصدقها لكن هذا لا ينقص من قدر الحقيقة وأهميتها ولا ينفي حقيقة الخير والشر والصراع بينهما، وكلٌ يختار مع من يكون، والعاقبة للخير وأهله..