مع أننا مبهورون بتجارب غيرنا في التعليم الجامعي، وندرك قيمته في حياتنا ورهاناتنا التنموية، إلاَّ أننا مازلنا نخفق في تخطيط التعليم الجامعي بشكل يناسب احتياجاتنا، ويستوعب أبناءنا. الدخول إلى الجامعة حلم كل طالب، وهو يكافح على مدى «12» عاماً من التعليم الأساسي والثانوي بانتظار اللحظة التي تطأ قدماه أرضية الحرم الجامعي.. إلاَّ أنه حين يجتاز رحلة ال «12» عاماً بنجاح ثم يقال له «آسفون» لاتوجد طاقة استيعابية لقبولك،فإن من حقه أن يغضب،ويجنّ جنونه، ويتصرف بانفعال.. ولو تظاهر سلمياً أمام لجان القبول فذلك جميل منه، ويدل على حسن ذوقه!! الطالب يرفع شعار حقوق التعليم الجامعي، ورئاسة الجامعة ترفع شعار «لايكلف الله نفساً إلاَّ وسعها» ،لكنني أميل إلى مؤازرة الطالب رغم تعاطفي مع رئاسة الجامعة.. فالطالب غير مسئول عن رسم خطط التعليم،ولا وضع الدراسات،وافتراض أعداد المتوقع تقدمهم للجامعات لهذا العام الدراسي أو الذي بعده.. فتلك مسئوليات الجهات المعنية في الدولة.. كما أن الطالب غير مسئول عن وضع تصورات الطاقة الاستيعابية للجامعات من حيث تناسب أعداد المتقدمين مع الكوادر والمباني المتاحة، إذ إن ذلك من شأن الحكومة القيام به ،وتحديد برامجها وموازناتها المالية الكفيلة بالتوسع أفقياً في التعليم الجامعي.. وأعتقد أن هذه المسألة ليست صعبة ولامعقدة للدرجة التي تضع وزارة التعليم العالي في مأزق أمام الطلاب الذين تظاهروا خلال الأيام الماضية احتجاجاً على إغلاق أبواب التسجيل بوجوههم. الغريب في الأمر أن التوجهات الحكومية تؤكد على أهمية دفع الشباب نحو التخصصات العلمية، في نفس الوقت الذي نجد أن الكليات العلمية هي الأقل قدرة على استيعاب المتقدمين لها، وتكاد تكون النسبة بين المتقدمين والمقبولين مخجلة جداً.. فكيف ستحصل الحكومة على الكوادر العلمية إن لم تجد لهم - أولاً- كليات تستوعبهم!؟ تحدثت لبعض الأكاديميين في جامعة صنعاء حول مشكلة القدرة الاستيعابية، فكان طرحهم أيضاً منطقياًً لأنهم يقولون: لاجدوى من قبول أعداد هائلة وزجّهم في القاعات دون كفاية من الأساتذة الجامعيين ومن معدات وتجهيزات التعليم.. وتساءل أحدهم :هل يمكن أن يتعلم الطالب شيئاً حين يجد نفسه مضطراً للعمل على كمبيوتر واحد مع عشرة طلاب آخرين!؟ فحينئذ سيضيع الجميع، ويصبح التعليم أشبه بالضحك على الذقون! أعتقد أنه على حق ، لكن الطالب أيضاً على حق في المطالبة بقبوله بإحدى الجامعات، فالتعليم الجامعي بالنسبة له ليس مجرد مرحلة دراسية، بل يعني أيضاً طريقاًً لوظيفة، وسبيلاً للاعتماد على الذات والتوقف عن تحميل الأسرة المزيد من النفقات.. بل هو كل المستقبل الذي يحلم به أي شاب.. ولابد من معالجات سريعة تنقذ أبناءنا من الشعور بالإحباط واليأس، ثم التحول إلى مشاريع للاستغلال غير المشروع في أنشطة حزبية أو ضمن تيارات متطرفة. ولاشك أن الحل ليس بأيدي رؤساء الجامعات بل بيد الحكومة التي تقع عليها مسؤولية زيادة موازنات التعليم الجامعي، وتكثيف مشاريع توسّعها، ووضع دراسات دقيقة للمستقبل توضح حجم الاحتياج، واتجاهات التعليم ،وماهي المخرجات المطلوبة تنموياً!!