ستظل المقاومة العراقية معجزة كل العصور، ويظل قدر أمريكا المنحوس الذي قادها إلى العراق عبرة لكل معتبر في دنيا الاستكبار العالمي، أمريكا قدرت تقديرات كثيرة بدت للوهلة الأولى صائبة، ثم تبددت.. فالعراق بلد مكشوف من الناحية الجغرافية، حيث لا توجد فيه أدغال ولا جبال ولا كهوف تمكن المقاومة الشعبية من الاختباء بها لو قدّر للمقاومة الشعبية أن توجد بعد عشر أو خمس عشرة سنة كما حدث في فيتنام.. وهذا عامل إغراء كبير للسير في احتلاله باطمئنان ودون خوف مقاومة ولو بعد حين. والعراق نظام حكم لا يدعمه أي نظام حكم في العالم، وكل القوى الشرقية والغربية وما بينهما معادية أو غير صديقة لهذا النظام باستثناء بضعة أنظمة في أمريكا اللاتينية وفي بلاد العرب لا تملك من الأمر شيئاً. والعراق كل جيرانه متآمرون عليه ومستعدون لدعم أي احتلال له بالمال والرجال والتسهيلات المختلفة. والعراق جيش وشعب أنهكهما طول الحصار وطول الحروب وطول المعاناة، وفقدا كل نصرة من القريب والبعيد؛ فما أسهله غنيمة، وما أيسره هدفا. والعراق مجموعة من الأطياف المذهبية تقف أغلبها ضد النظام ومتذمرة منه؛ فالأكراد في الشمال في شبه استقلال وعداء كامل للنظام.. والشيعة في الجنوب تحت الحماية بخطوط العرض والطول التي مكنت قوات أمريكا وحليفاتها من مراقبة طلعات القوات الجوية العراقية لأكثر من عشر سنوات قبل الاحتلال، ولم يبق إلا القليل مما يسمونهم "السنّة" العرب الذين يمثلون في نظرهم نسبة بسيطة مصيرها الزوال.. ولا يمكنها أن تقف أمام مجمل الأطياف والتيارات المعادية لها. والعراق يسهل تفتيته وجعل جزء منه لإيران، وجزء لبعض العرب، وجزء آخر لتركيا، إن أحسنت التفاهم مع سيد العراق الجديد (الولاياتالمتحدةالأمريكية). والعراق لن يجد له من ينصر مقاومته إن وجدت أو متمرديه على الوضع الاستعماري الجديد لا من العرب ولا من غيرهم، فكل الأنظمة قد ضمن ولاؤها للغرب والمتحالفين ضد العراق، وإن بقي أحد لم يتم التفاهم معه فهو في الصف المعادي لكل من يحتمل أن يقاوم الاحتلال. بناء على كل هذه الافتراضات أقدمت سيدة الفجور والاستكبار العالمي على غزو العراق.. وشد ما كانت دهشتها حين رأت كل الافتراضات تسقط واحداً بعد الآخر. فالعراق الذي افترضت أنه لن يجد من يعينه على مقاومته حتى بعد عشرة وخمسة عشر عاماً كما حدث في فيتنام مثلاً قد بدأ المقاومة من أول أيام الاحتلال، ولم يمهل الاحتلال يوماً واحداً لكي يهنأ بالغنيمة. وكانت المعجزة التي لا تماثلها معجزة في التاريخ؛ حتى المقاومة الشعبية الفيتنامية، وهي معجزة مقاومات القرن العشرين بغير منازع؛ كانت كل قوى الشرق معها وامتلكت كل مقومات المواجهة من صواريخ مضادة للطيران ومن دبابات ومدافع وغيرها.. ومع ذلك لم تبدأ المقاومة فيها إلا بعد خمسة عشر عاماً من الاحتلال .. وكذلك المقاومة الفلسطينية .. بعد خمسة عشر عاماً بدأت أول طلقة ضد الاحتلال. والعراق الذي نظام حكمه لا يدعمه أي نظام في العالم .. هذا النظام بدا متماسكاً بقياداته وقواعده كما لم يشهد تاريخ كل الأنظمة مثله تماسكاً وثباتاً واستقتالاً في سبيل المبادئ؛ استطاع أن يوجد من جيشه وأمنه ونظام حكمه وسائل مقاومة وتصنيع سلاح واتصالات وتشكيلات وتنظيمات وإعلام لا يعلم سرها أحد حتى الآن، ولا يعلم أحد كيف تسيّر أمورها، وكل ما يستطيع أن يفسره البنتاجون من العمليات التي يقوم بها المقاومون لا يتجاوز 3% من العمليات التي تزيد عن ثمانين عملية يومياً باعترافاتهم، ومن بين هذه الثمانين عملية لا يعلم أحد من الناس أكثر من عشرة في المائة مما يتم الإعلان عنها ونسبتها إلى بعض الفصائل، وتظل بقية العمليات مقيدة ضد مجهول إعلامياً.. وأمريكياً. والعراق الذي تآمر عليه كل جيرانه من صفويين وأعراب وأتراك لم يحتج إلى أحد، وكلهم محتاجون لخطب وده وود مقاومته وكل الأطياف القريبة منها.. لم تتسول المقاومة في باب أحد من الحكام العرب والعجم، ولم تطلب رفد أحد، ولم تحتج إلى أحد؛ لكنها تظل تنبههم جميعاً أن فجر العراق آت، وأن كل مشارك في المؤامرة سيدفع الثمن المناسب في الوقت المناسب، وتأمل من الجميع أن يقفوا عند حد في التآمر، وعفا الله عما سلف .. ولا ندري إن كان أحد من الجميع يسمع أو يعي ما يقوله المقاومون وقياداتهم المنصورة. والعراق الجيش والشعب اللذان أنهكهما الحصار والحرب وكل التآمر الذي انتهى بدمار كل شيء وإذلال الجميع شعباً وجيشاً وآثاراً وتاريخاً وبنى ومنافع.. هذا العراق العظيم صبر وتحمل، وصبر كما لم يصبر ولم يعانِ أي شعب قبله في التاريخ، ويظل يقدم التضحيات وينزف لكنه لم يستسلم ولم يهن ولم يطلب من أحد أن يعينه غير الله بعد أن استيأس من أن يكون من حوله من إخوانه العرب والمسلمين من يمكن أن يكونوا كما حسبهم أو زعمهم إخوانا. والعراق الذي ظن أعداؤه أنه مجموعة من الأطياف المتصارعة، وبرغم ما فعله به الصفويون من تمزيق الأواصر والوشائج ووحدة المصير والدم والدين.. وبما يفعله الأمريكان من تمزيق وتحريض البعض على البعض الآخر بعون أعداء الله وأعداء العراق صفويين وأعراب؛ إلا أنه ظل ذلك الشعب الذي يتوق إلى أصله ويتبرأ من أولئك الأدعياء الخونة الذين استجلبهم الغزو.. ولايزال يُريَ أعداءه وأصدقاءه أن نسيج الوحدة العربية الإسلامية الإيمانية لم تتفتت رغم كل ما أحدثه أعداء العروبة والإسلام من أعداء العراق العظيم الذي دمر أحلامهم وأطاح بكل مشاريعهم التوسعية المقيتة. واستطاع أن يري الجميع أنه هو نفسه العراق من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه؛ له نفس الهم والشعور واليقين والإيمان بوحدته وحريته واستقلاله، ومقاومته تتناوب إنزال الضربات في كل أجزاء العراق بغير استثناء. والعراق الذي أريد تفتيته وتقسيمه غنائم للدولة الفارسية وغيرها.. استعصى على التفتيت، ووقفت قواه الفاعلة ولاتزال تقف ضد التقسيم رغم الرغبة الجامحة التي تدفع حكام العراق الذين نصّبهم المحتل لتجزئته تحت مشاريع الفيدرالية وغيرها. والعراق الذي ظنوا أنه لن يجد له نصيراً من الأنظمة المجاورة لنصرة مقاومته لم يحتج إلى النصرة؛ بل احتاجت هذه الأنظمة نفسها لمن ينصرها ضد أمريكا وضد شعوبها المقاومة وضد القوى المقاومة لأمريكا والغرب، فكل نظام محيط بالعراق يعيش همه المستقل ويطلب العون من غيره، وتظل المقاومة هي معجزة العصور كلها بغير استثناء. المقاومة العراقية أريد لها أن تكون مقبرة أمريكا وسلطانها وامبراطوريتها، وأريد لها أن تكون مطهرة للأرض العربية المقدسة من دنس الاحتلال الاسرائيلي. ولأجل علمهم بهذا فقد قام أعداء العراق بما قاموا به، وفعلوا بالعراق ودولته ونظام حكمه وجيشه وقواته وقادته العظام.. ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.. ولو كره المشركون.. ولو كره المنافقون. ستنهزم أمريكا عاجلاً غير آجل، وستسقط اسرائيل عاجلاً غير آجل، وستسقط عروش لم تعرف العز يوماً من أيام دهرها.. وستسقط امبراطورية الشر التي أرادت أن تنتقم لهزيمتها النكراء من شعب وجيش العراق بأبشع وسائل الفتك والذبح والعنصرية البغيضة. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وإننا بهذا لموقنون.