في غمار هذا الصراع الذي يحكمه معيار القوة في العالم يصبح جلياً حاجة الشعوب العربية إلى تبني رؤية موضوعية تجاه الموروث أو التقليد السائد ،والمتأمل في الواقع يجد أن الانشداد نحو الماضي والتشيع له دون ترك فرصة للعقل قد أطال عمر الجهل، واستفحال العصبيات التي لم تدع بذرة للعقل تنبت ولانبتة للوعي تنمو؛ ولذلك فإن الإنسان الذي تقدم اليوم هو الذي كافح الأ مس وتغلب عليه واستثمر حسناته في بناء الغد المنشود. اليوم يحاول الإنسان اليمني وقد يصل بكل ما يمتلك من قوة وعزيمة وإرادة قهر الارتماء في أحضان التقليد الذي لطالما وقف عقبة كأداء أمام تطوره وتوسع معارفه. ففي لحظة من لحظات الامتزاج المتأصل بين ظاهرة حمل السلاح والتمنطق به في المدن والأماكن العامة وبين الهوية الثقافية نجد مرحلة حاسمة أطّرتها جهود مبذولة وإرادة قاهرة للتصدي المستميت لهذا التقليد الذي حال بمآسيه وتبعاته بيننا وبين قدر كبير من الأهداف والمرامي والغايات التي ناضل من أجلها اليمنيون وعاشوا على أمل تحقيقها. ما تحكيه نبضات الشارع واصداء الظروف هو أن الشعب اليمني الذي نشأ على حب التسلح وترعرع على تجاهل مساوئه قد تحصّل نتيجة مؤثرات عديدة أبرزها طغيان ثقافة الصورة على القناعة التامة بضرورة خلق نظرة ناقدة ومسئولة لمختلف المظاهر والظواهر التي نمت بنموه وعاشت معه الماضي والحاضر. فمع هذا الانحسار الملموس لثقافة التزيّن بالأسلحة وتقلدها والتباهي بها على نحو بدأت معه استقواءً ومنعة وانتهت استعراضاً وتقليداً ،ثمة مؤشرات على درجات الوعي التي أراها تصل عند بعض عشاق «الهنجمة» إلى مستوى جلد الذات،هذا الوعي الذي سيمضي من خلاله الإنسان الواعي صوب مايريده في عصر السباق المعرفي الذي يستحوذ على موازين القوى في العالم. فالواقع الحضاري يرفض أن يمنح الإنسان المعاصر صفة «الشخصية» متى توافرت القوة الجسمانية أو التمترس خلف العنف في حين يوصف بها الفرد عندما يمتلك القدرة على الإنتاج وإحداث الفاعلية واتصف بالذكاء والنشاط والسلوك الحضاري الذي ينمي فيه حب الاستطلاع ومعرفة مالدى الآخر من قدرات ومهارات يفيد منها في بناء نفسه وما حوله. إن تراجع حدة التمنطق بالسلاح ولا أقول قد انتهى الذي أراه بادياً في ذروة المشاهد الحياتية المكتظة بالحضور؛ لم يكن سوى ثمرة حتمية لطغيان «ثقافة الصورة » والمصطلح جزء من عنوان مقالة للدكتور سليمان ابراهيم العسكري في آخر عدد من مجلة العربي التي تموج بها وسائل الاتصال العربية الالكترونية . فثقافة الصورة لاسبيل إلى الجدال في أنها الكير الذي ينفخ حالة الاستلاب والتقليد والتغريب إلى المتلقي العربي لكنها أي الصورة تتجه اليوم نحو جرف كل معلم من معالم الهويات الدينية والثقافية والوطنية والتاريخية بيد أننا كيمنيين نقف في الجانب الآخر على مزية من مزايا هذا الإعصار فقد أسفر عن تسوية لصراع دائم بين طموح إنسان وتطلعاته نحو البناء والتحديث واستشراف المستقبل وبين سلوكيات تدعي الأصالة تشده إليها كلما هم بالنهوض والولوج إلى دروب الانتاج والإبداع. فهاهي ظاهرة حمل السلاح تتقلص بعض مظاهرها التي كانت أشد ارتباطاً بمواقف ومناسبات اليمنيين لاسيما في الأفراح وحفلات الزواج لتؤكد أن ثمة فكراً جديداً بدأ الإنسان اليمني ينتهجه للتواجد في نفس ظروف العصر والواقع الذي يعيشه الآخرون.