كما وجدت صعوبة في أن أودّعه بالكلمات بعد أن غادر دون استئذان.. وتمكنت من ذلك بعد أن استيقظت من صدمتي .. ها أنا أكرر "العجز" وأجد "الصعوبة" في أن أتذكر وداعه بعد عام من الرحيل في سطور تختزل المشاعر .. وتقول ما بأعماقي .. ولم أتمكن إلا بعد أيام من ذكرى فراقه.. هناك في مكةالمكرمة .. تذكرته كثيراً وشعرت بأنني سألقاه وهو يطوف حول الكعبة المشرفة.. أو ما بين الصفا والمروة .. أو في ساحة الحرم .. أو عند إحدى بواباته. عند عودتي .. كنت أنوي الرجوع براً.. تذكرته حينها .. أحسست أنه سيكون بين عينيّ طوال الطريق.. وسيلتصق بهما "تماماً" بعد أن أتجاوز منفذ حرض الجمركي.. فقررت أن أعود على "اليمنية" جواً رغم أنهم يقولون الرحلة "مليييييييييييييييييييييييانه" وحين تقلع الطائرة تجد بعض المقاعد "فارغة"!!. مات حميد .. وحينها بكيناه بحرقة .. ولله ما أعطى ولله ما أخذ. مر عام .. يا الله .. أبهذه السرعة.. استطعنا أن نداوي جراح فراقه؟! .. وليس باقياً لنا إلا أن نستعرض شريط الذاكرة.. أن نغمض العينين لنشاهده في مسرح الحياة الفانية .. يبتسم .. يضحك .. ينقط من فمه بعض الكلمات وحكايات لا تخلو من الدعابة والنكتة .. ثم يرحل دون أن يقول: "إلى اللقاء!". لم أكن من أصدقائه المقربين .. وأحياناً ما ألتقيه لا غالباً.. ومع كل ذلك عندما ألتقيه .. أو أذهب للمقيل لديه.. أجد نفسي أمام صديق.. وأخ حبيب.. وكأننا عشنا سوياً سنوات الدراسة أو الطفولة. يحمل قلباً عذباً وروحاً شفافة .. وبدون أن يتعب .. أو يتكلف .. يصبح ضيفاً عزيزاً على القلوب. كان يقول لى: "ملحق الثورة الرياضي" مؤهل لأن يتحول إلى صحيفة يومية.. ولا يخفي إعجابه.. ولا يخبئ ملاحظاته. وبطبيعته إنساناً طموحاً وصحافياً بارعاً يقول: "لماذا لا نتعاون في إصدار صحيفة رياضية يومية"؟!. كانت أحلامه كثيرة .. وأفكاره تسبق عمره .. خلوق .. ودود.. مبدع .. لا يكره .. ولا يجحد .. ولا يخاصم بسبب اختلاف في وجهات النظر. مازلت إلى اليوم أحتفظ برسائله التي كان يبعث بها إلى موبايلي.. أشعر حين أفتشها أنني أقرأه .. وأتخاطب معه وهو قريب مني. أسأل نفسي كثيراً: "كيف نحن أصحاب الكلمة نكتب كثيراً ولا نمل.. ننتقد.. ونشيد.. ونقول هذا صح.. وهذا خطأ .. ونصبح ونمسي ونحن مأسورون لمهنة المتاعب .. وحين يغادرنا صديق أو زميل .. سرعان ما ننساه .. وأحياناً إذا لم يكن غالباً نستكثر أن نتذكره وكأنه بيننا. بالتأكيد حميد لن يعود .. ومثله عارف الشوافي .. ووحيد عبدالولي.. وسالم بن شعيب.. والعم عبدالله حويس؛ لكن ذكراهم يجب أن تبقى.. أن تذكرنا بما يجب أن يكون في الدنيا.. وما يجب أن نعمل به من أجل الآخرة. ويا زملاء .. لو شغلتنا الدنيا ومتاعبها.. والبحث "المر" عن لقمة العيش .. حاولوا قدر الإمكان أن لا تشغلنا عن التفكير في يوم الرحيل. وتذكروا ولو مرة في العام زملاء أعزاء تركوا فراغاً في ما بيننا.. ولا نريد أن يغيّب الموت ذكراهم كما غيّب أرواحهم!!.