القدرات الخلاقة لمنظمات المجتمع المدني في أوروبا وغيرها من دول الديمقراطيات الراسخة تحولت إلى ركن أساس في التنمية الوطنية لبلدانها، إلا أنها لم تتحول إلى ومع أننا نطالب بكل الحقوق والحريات التي تتمتع بها تلك البلدان، ومجتمعاتها المدنية لكننا نرفض تحمل ذات المسئوليات التي تمارسها المنظمات والجمعيات والمراكز المدنية في فرنسا أو بريطانيا أو الولاياتالمتحدة وغيرها. ويبدو أن الاشكالية غير محصورة في قصور وعي مجتمعاتنا بالممارسة الديمقراطية، وإنما أيضاً في عوق سياسات الدول الداعمة لتجربتنا الديمقراطية.. فالولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي يسعون إلى تنمية الديمقراطية العربية حسب ادعائهم ويقدمون منحاً مالية وخبرات مختلفة لهذا الغرض، ويعدون الدراسات والبحوث بالقدر الذي يجعلنا أقرب مانكون إلى «فئران تجارب»، لكنهم في النهاية يحملون الحكومات مسئولية كل شيء، ويطالبونها بمنح المجتمع المدني كل حقوقه وحرياته أسوة بما في بلدانهم لكنهم لم يسبق لهم أن طالبوا مؤسسات المجتمع المدني بشيء من الالتزامات والمسئوليات التي تقوم بها مؤسساته في بلدانهم!! لم نسمع أي جهة مانحة توجه نصائحها لمنظمات المجتمع المدني وتطالبها بتحمل مسئولياتها كشرط للحصول على الحقوق المنشودة من قبل الحكومة.. فاليوم نجد أن المجتمع المدني اليمني يتصرف كما القنابل العنقودية، ينشطر على نفسه بمتواليات هندسية تتجاوز المدنية والعزلة والمديرية إلى مستوى القرية الواحدة.. وهو توجه خطير جداً لكونه يفتت وحدة بناء المجتمع، ويشتت الجهود الشعبية، ويبدد الامكانيات والموارد اللازمة للعمل. وبدلاً من السعي لتعزيز قوة نقابة الصحافيين اليمنيين، وحماية كيانها الموحد، نجد أننا اليوم أمام تكوينات تنشأ على مستوى المحافظات والأقاليم والمديريات في واحدة من حالات الهوس في الانسلاخ من الجسد الأم.. ولو تجرأت أية جهة لوقف هذا الانسلاخ المتواصل لوجدت الدول المانحة أول المتصدين لها، والمنتقدين لموقفها. هذا التشجيع «الخارجي» كان مشجعاً حتى للعاطلين عن العمل للتحول إلى تكوينات مصغرة لاتسير على هدى ثقافية محددة، أو مطالب مفهومة بقدر ماتفرض نفسها بحماية الموقف الخارجي لدول الديمقراطيات الراسخة التي تعلن دائماً استعدادها لدعم هذه التكوينات دونما أي مطالبة لتوضيح هويتها ومناهج عملها، ومنطقها في صياغة مطالب معقولة. إن هذه الممارسات من قبل الدول المانحة لاتخدم شيئاً لصالح المستقبل الديمقراطي أو التنموي لليمن، لأن من غير المعقول أن يكون بوسع دولة بالوضع الاقتصادي المشابه لماهو في اليمن أن تجعل سماءها تمطر وظائف للعاطلين في نفس الوقت الذي يتم دفع هؤلاء العاملين إلى الشوارع لإعاقة أي استثمارات قادمة لليمن.. الغالبية العظمى من المنظمات والجمعيات التي أعلنت عن نفسها مؤخراً لم تكن سوى مصدر لاستنزاف الموارد الوطنية واعاقة التنمية، وتشويه الصورة الديمقراطية لليمن، وهي في النهاية ليست أكثر من آفة تلتهم الانجاز دون أن تكون مستعدة لتقديم شيء للمجتمع..وعلى الجميع أن يضع حداً لتماديها!!