في هذا العام تحتفل منظمة اليونسكو بباريس بمرور 800 عام على ولادة الفيلسوف والشاعر المطبوع مولانا جلال الدين الرومي صاحب الملحمتين الكبيرتين باللغة الفارسية وهما “ المثنوي” و “ الشمس” وكلاهما يجسدان مفهوم المعرفة من خلال نظرية العشق. يعتدُّ جلال الدين الرومي بفكرة وحدة الوجود والتي تقضي بأن الله هو في ذات الوقت العشق والعاشق والمعشوق، ولقد عبر الرومي عن هذه الفكرة باللغة الفارسية التي افتقرت إلى حد كبير للمنطق الرياضي وكانت مستغرقة في التجريد حتى إن هذه اللغة التجريدية تعارضت إلى حد ما مع اللغة العربية. يقول:إن الحق يتنامى في الأذهان والقلوب حتى يكون معروفاً ومخلوقاته ليست في نهاية المطاف سوى ترميز للحب الإلهي. إنها مخلوقات تقع تحت طائلة عالم الحب وبالمعنى الواسع للكلمة.. عالم يتجلى في الروح وفي الفيزياء، ولقد عبَّر الرومي عن هذه الحقيقة من خلال آلاف الأبيات الشعرية التي تؤكد جبرية انتماء الإنسان لهذا العالم من الحب، وخاصة في كتابه “ شمس التبريزي” وفيه يُعبّر الشاعر عن حالة التماهي مع أستاذه شمس التبريزي فيما يومئ إلى ما يتجاوز ذلك. ينطلق الرومي في أطروحته من حديث قدسي استقاه من ابن عربي ويجيب هذا الحديث عن السؤال الجوهري المتعلق بخلق العالم. يقول الحق: “ كنت كنزاً مخفياً وأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق ليعرفوني “. ولهذا فإن العالم قادم من هذا المفهوم الكلي. يقول الرومي: قال الحق للحب “ إن لم يكن من أجل جمالك فمن أجل أن نستشعر انعكاسك في مرآة الوجود .. العالم ليس إلا مرايا لإظهار تجليات الحب”، وبهذا المعنى فإن الحركة التي تؤدي إلى الوجود هي في مسار الحب، فلولا الحب لما ظهر العالم ولما كان رديفاً للعدم. إن صيرورة الوجود تعبير عن خلق الخالق وهذه الصيرورة التي أذنت بقوة الدفع الأولى للنشوء والاكتمال جاءت من نَفَس الرحمن محفوفة بالحب الناجم عن جماله وجلاله والمتواشج مع السديم الأولي للخلق.