يتلخص الإكسير السحري لجلال الدين الرومي في " المعنى والحب " فبدون المعاني لا ثنائيات توصلنا إلى تعددية، وتعيدنا مرة أخرى إلى مرابع الواحدية، فالحق وبدون ذلك الترياق لا نستطيع رؤية الجمع في عين الفرق، ولا يمكننا تقبُّل التنوع والصور، والإمساك ببرازخ اتصالها وانفصالها الأبدي، وبدون الحب لامعنى للوجود الظاهر القادم من قبس الرحمن .. يوم أن استوى على العرش وكان الوجود عماء في عماء .. سديماً من دخان ، فجاء الأمر الإلهي الذي سير الأكوان بقوانين ضابطة لموازينه . في كتابه الكبير " المثنوي "جاور الرومي المفاهيم القرآنية محاولاً تقديم نص شامل أقرب إلى التفسير لمحتويات القرآن الكريم ، ولكن بلغة شعرية مُلتبسة قد تستعصي على البعض، وقد يُساء تأويلها، فاللغة الشعرية تتصف دوماً بفجوات في المعاني، وتعدد في دلالة اللفظة الواحدة ، ومُخاتلة إبداعية في التعبير بحيث يصبح المباشر متوارياً، والمتواري ظاهراً. إلى ذلك تعبر" المثنوية " في كتابات الرومي الشعرية الواسعة عن معنى العلاقة التي جمعته بشمس الدين التبريزي، فقد كان التبريزي بمثابة النار المتقدة، وجلال الدين بمثابة الشعلة التي التهبت بتفاعلها مع تلك النار الحامية، ومن هنا تبلورت لدى الرومي فكرة " المثنوية "، ليس فقط لعلاقته الخاصة بالتبريزي، وقبله بأستاذه، بل أيضاً لعلاقة والده بأستاذه، وكأن الثنائية التكاملية أصل أصيل في تفتق المعاني وتداعي العطاء، ولقد لخص الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي تلك الفكرة في رؤيته الشاملة لثنائيات الوجود الظاهر التي تسيح تلقائياً في برازخ المعاني والدهور مُنتجةً إبداعاً متقداً كالنار، ساطعاً كالنور، وفيّاضاً بالمياه المتدفقة، وعاصفاً كالرمال أثناء الهبوب