فرعون العصر.. ومؤتمرات الزينة، مع غياب المؤمن، وحضور ابليس، في أنابوليس، وفي غيره من المؤتمرات التي عقدت تتزامن بين فترة وأخرى. لا أدري من أين أبدأ حديثي عن مؤتمرات الزينة، التي كثرت وتعددت في مسمياتها، ومواقع انعقادها، وبحيث يتعرف العرب الراكضون خلف فرعون العصر على المنتجعات والمدن الساحرة الأمريكية.. وفي ظل سحر هذه المواضع الجغرافية، يعمل سحرة فرعون على تضليل الرأي العام، ويزيفون وعيهم حول قضايا الأمة العربية المصيرية، وإلى درجة أن السحرة أرادوا بسحرهم أن يقنعوا المواطن العربي الممانع والمقاوم، أن فلسطين العربية المسلمة، ليست عربية، وليست مسلمة، وليست ذات وجود تاريخي للمسيحيين العرب، وأنها يهودية المرجع والحق الذي ينبغي ان يعترف به، والتسليم بما يترتب عليه من استحقاقات ما أنزل الله بها من سلطان.. كما عمل ويعمل السحرة على إقناع الرأي العام العربي ان المقاومة إرهاب أو أن صاروخ القسام يهدد السلام والأمن الذي ينبغي ان يتمتع به المحتلون الاستيطانيون، وبالمقابل يعتبر القتل الجماعي، والتدمير المنظم للمنازل والمؤسسات الفلسطينية، وتجريف الأرض الزراعية بشكل مستمر، مع اقتلاع الأشجار المثمرة، وتحديداً الشجرة المباركة «الزيتون» بأنها أعمال مشروعة لتوفير الأمن الضروري للغزاة والمحتلين، باعتبارهم يدافعون عن النفس، ويواجهون عنفاً وارهاباً فلسطينياً كما يزعم السحرة، وتعبر عنه حبالهم التي يعتقدون أنها ستلف القضية الفلسطينية، وستخنق الصوت المقاوم العربي في فلسطين وباقي الدول العربية، وهم بذلك يتوهمون، ويدسون رؤوسهم في التراب، ويحاولون الهروب من الحقيقة التي لابد منها، وهي أن هذه الحبال سترتد عليهم وستخنق أصواتهم ومحاولاتهم، ولن ينجو منهم إلا أولئك الذين يرجعون إلى الحق، ويصطفون معه، ويؤمنون بالحقيقة التي يمثلها الحق الفلسطيني ويحمل رايتها «قوم جبارون، وطائفة مرابطة على الحق، لايضرهم من خالفهم». والمؤسف حقاً ان تتوسع دائرة الهرولة، ويذهب النظام العربي على غير هدى إلى أنابوليس، التي تغرس خنجراً جديداً في خاصرة الأمة، ويطلقون بصمتهم ومداهنتهم لفرعون العصر، أنيناً جديداً في الصوت العربي، ويولدون عبر هذا الفعل الآثم وليداً خدجاً، يضاف إلى الولادات السابقة، التي لم تحصد الأمة منها إلا مزيداً من الذل والمهانة، والتنازلات التي لم تتوقف، والتي لابد أن تستمر بأمر المخرج وعليهم أن ينفذوا وهم غير مشكورين، فهل يستطيع الذين ذهبوا أن يجيبوا عن سؤال واحد فقط: ماذا جنى العرب بعامة والفلسطينيون بخاصة من مدريد، وأوسلو، ووادي ريفر، وخارطة الطريق، وكمب ديفيد، وو... رغم النص فيها جميعاً على إقامة الدولة الفلسطينية المزعومة في كل تلك الجولات الخاسرة، في حين حقق الصهاينة مكاسب واسعة، كان أهمها، وأكثرها وضوحاً رفع المقاطعة من جانب عدد من الحكام العرب، وإقامة علاقات دبلوماسية، وفتح سفارات ومكاتب تجارية واقتصادية، والاعتراف بوجود الكيان الصهيوني، وحقه في البقاء على الأرض العربية كدولة صهيونية ذات سيادة، واعتبار هذا الكيان مصدراً للسلام، والتوجه بشكره على ما يقدمه لصاحب الحق، والأرض، والتاريخ، على أساس الأرض من جانبه والسلام من جانب الفلسطينيين؟! يا سبحان الله. إن التطبيع مع العدو الصهيوني، كان حلماً ظل يراود الصهاينة ومن يقف وراءهم، وسعوا كثيراً وحثيثاً للحصول على فرص تمنحهم إجراء «تطبيع» بأي مستوى، وبأية درجة ومسار.. وعلى هذا لو عدنا قليلاً بالذاكرة، واسترجعنا الوضع العربي قبل عقدين على الأقل، ولن نقول قبل عقود أربعة أو خمسة، لوجدنا أن الشارع العربي والأنظمة والحكومات كانت تعتبر المقاومة ضرورة ودعمها واجباً بكل معاني الوجوب، وفي كل الاتجاهات المادية والعسكرية، وصار اليوم كثمرة خبيثة لأتباع «فرعون» جريمة يعاقب عليها كل من يفكر في انجازها، فلم يعد من واجبه دعم المقاومة، كما أن المقاومة والجهاد، لم يعودا عملاً بطولياً يستحق الدعم، وهكذا ضرب حصار ظالم وواسع وشامل على فصائل المقاومة، وتمت تصفية كل المؤسسات والجمعيات التي عملت على دعم المقاومة والجهاد وصودرت موجوداتها، وأودع الكثير من رموزها في سجون «فرعون».. وبرز في الساحة العربية «عرب الاعتدال»، «وعرب التشدد» «ومسلمون معتدلون» «ومسلمون متشددون» وطولب المعتدل بإثبات مصداقية اعتداله، أو اعتداله بالضرب بقوة وقسوة على يد المتشدد وتحت راية مكافحة الإرهاب. ونحن هنا ضد العنف والإرهاب الذي يتوجه إلى مؤسسات الأمة ويدمر بناها، ويشيع الاضطراب داخل أقطار الأمة. ولكننا لا نقبل - احتراماً لعقولنا، وإعمالاً لها - أن يمتد النظام العربي والدول الإسلامية، إلى مؤازرة أعداء الأمة في تصفية المقاومة ورموزها وداعميها. نعود ثانية ونقول إن الهرولة إلى هذا المؤتمر، هو ذهاب لتجديد الولاء للشرطي الدولي، فرعون العصر، والإقرار بسطوته ولعل مسمى «مؤتمر الزينة» الجديد مع غياب موسى والمؤمنين. «أنابوليس» يحمل معنى القول الأمريكي الصهيوني الصريح إنه «البوليس» وعلى الآخرين أن يعملوا وفق متطلبات خطته الأمنية التي ترعى مصالحه.. والسؤال الذي نعلم ويعلم القراء جوابه سلفاً، ولكننا نورده للتذكير: ماهي المصالح التي يحرص عليها النظام العربي، وهي تحقق للأمة الحماية والقرار المستقل؟. لا شك أن الجواب كما يزعمونه دائماً «السلام» والحقيقة التي يعرفونها هم قبل غيرهم، هي أنهم يشتركون في فعل «آثم» تدفع الأمة وفي المقدمة الفلسطينيون أثمانها، وسؤالنا الأخير: من أعطى الذين يحضرون هذا المؤتمر مشروعية ما يقدمون عليه في سياق المظلة الديمقراطية التي يروج لها أعداء الأمة؟.. فلماذا لا يلتزم بالشرعية الديمقراطية حين لا تكون في صالح «المخرج» ويتذرعون بها حتى تكون مدخلاً وسلماً يقودهم إلى مزيد من الهيمنة واستلاب الآخرين؟!. نسأل الله للنظام العربي الرشاد، وننتظر للقوى السياسية والاجتماعية فعلاً مشروعاً في مواجهة من يتآمر على الأمة، وحقها. والله من وراء القصد