تستوقفك العبارات والمفردات التي تدل على أن ثقافة مغلوطة شاعت لدى الكثيرين تجاه النضال والعمل الثوري والاستقلال الوطني، وكأن النضال والانخراط في خدمة القضية اليمنية صك شرعي للتملك والاحتواء الذاتي غير الأخلاقي للمسيرة الوطنية، واعتبار شراكة النضال صفقة دائمة للاستثمار المادي والمعنوي ولو على حساب الوطن أمنه واستقراره واستقلاله وتطوره.. إن الخطاب السياسي من بعض القوى في الداخل والخارج يمارس تكريس لغة المن، وينظر إلى الشعب اليمني على أنه ليس أكثر من سلعة فاضل حسب تعبير البعض لتصبح تجارته ومستقبل استثماراته، وأن حاضر ومستقبل اليمنيين حق حصري لكل من أدرج اسمه ضمن كشوفات مناضلي الثورة اليمنية، حتى أصبح النضال الثوري في بلادنا يورث مثل غيره من الممتلكات الشخصية والعائلية. الأمر الذي سبب لليمن واليمنيين الكثير من المتاعب والصراعات التي خلقتها ثقافة النضال والاستغلال، وكانت الوحدة اليمنية آخر العنقود النضالي وتشرف بها وبلحظتها كوكبة كبيرة من القوى السياسية اليمنية، وحتى نحافظ عليها بعيدة عن الصراعات والاختلافات وثقافة الاستغلال علينا أن نجردها من أدعياء شراكة التملك، وأن تصبح في الأول والأخير والحاضر والمستقبل ملك اليمنيين من المهرة حتى صعدة، نضالاً وتحقيقاً وتثبيتاً وحماية. أن يُحسب للمناضلين دورهم وللشهداء كريم وعظمة عطائهم وتضحياتهم فذلك من باب مبادلة الوفاء بالوفاء، والاعتراف بالفضل وأهله، لأن الذي ناضل فبقناعته ورضاه وحبه لواجبه واحترامه للدور الذي يتطلب منه القيام به تجاه وطنه، فيبقى نضاله وتضحياته مصدر فخر للوطن واعتزاز وإكبار من قبل المجتمع، ولكن متى ما تحول ذلك النضال إلى مصدر قلق وسلعة للمتاجرة بالوطن وقضيته وأمنه واستقراره وتدميره وسفك دماء أبنائه بحجة أن الشراكة قد توقفت، فإن النضال في هذه الحالة يُرد على صاحبه، ويتحول إلى ثقافة تدمير لا تنوير. الأصدقاء الألمان «الشرقيون والغربيون» الذين ناضلوا من أجل وحدة ألمانيا ذابوا جميعاً في صلب وعمق المانيا الموحدة، ولم يدّع أي منهم ملكيته الخاصة أو الحزبية أو القبلية للوحدة الألمانية بحجة نضاله وشراكته في تحقيقها، اكتفى أولئك الرجال العظماء الذين كان لهم شرف توحيد بلادهم بعظمة الدور، ودخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، وأداروا عجلة التطور والنهوض الاجتماعي بعقلانية وتفانٍ من أجل ألمانيا، وتركوا الشعب الألماني يختار من يشاء، وما سمعنا أن أحدهم غادر ألمانيا إلى البيت الأبيض أو الخال الانجليزي، مستنصراً ضد من حرموه حقه وأنكروا شراكته ونصيبه. مهما كانت الاختلافات السياسية علينا أن نرسي دعائم النظام الديمقراطي، والتعددية السياسية، والتنافس البرامجي والتداول السلمي للسلطة، وأن نسلك الطرق المدنية في تعاطينا مع الواقع، أو في تنميتنا له وتطويره، أو في وصولنا إلى القصر الجمهوري، لأن الحياة الديمقراطية بكل مفرداتها أصبحت بالنسبة لنا معشر اليمنيين خياراً لا رجعة فيه، وأن نتخلص من المشاريع العدائية وثقافة الإرث النضالي والثوري ضد أنفسنا، ونستبدل حلبات الصراع السياسي المصلحي بمشاريع وطنية عملاقة تخدم حاضر ومستقبل اليمن الديمقراطي الوحدوي الجديد. لنناضل بحب وتفانٍ، وليكن اتفاقنا أو اختلافنا حباً إضافياً ومستمراً في سبيل استقلالنا من عقدة المؤامرة وثقافة النضال التآمري ضد أنفسنا ووطننا.