عند محيي الدين بن عربي ليست الصورة ثابتة، وهي تُقاس بامكاناتنا للرؤية، فليس كل مرئي لدينا يمثل الصورة الحقيقية، فالصورة الحقيقية أشمل مما نرى، ونحن إنما نرى بعضا ًمنها ولا نراها بتمامها والكمال . تلك كانت فاتحة كبرى في مفهوم التجريد النظري، فمن لا يمكنه التجريد بقوة الخيال سيعتقد أن ما يراه يُمثل الصورة الحقيقية متناسياً أن قدرته على الإبصار محدودة وليست مجهرية. إلى ذلك يتحدث ابن عربي عن الصورة المتحركة مُعتبراً أن كل صورة مرئية لا تُمثل إلا شكلاً لطيفاً نورانياً ينتشر في الأثير، وأن ذلك الطيف النوراني يتحوّل في مستويات ظهوره دون أن يندثر أو يخبو، مما يدلل على ان النظرة العميقة للوجود تتطلب تجويزاً لما يسميه «أعيان الممكنات» وأن تكون القلوب قابلة في استيعابها لكل الصور «المرئية واللامرئية ». والبرزخ هو المعادل الضابط للثنائيات الواقعية، فكل العالم يتشكّل من ثنائيات تتفاصل وتتواصل، وهذه الثنائيات مضبوطة في وجودها وصيرورتها بالمعادل الوسطي “ البرزخ “ الذي يصل بينها ويفصل، ولكن بوجوه متعددة، فكأن الثنائية ليست ضد الواحدية “ البرزخ “ ولا ضد التعددية “ الوجوه المختلفة للبرزخ “ . توقف علماء النقد والجمال مديداً أمام تلك النظرات وتفاعلوا معها تفاعلاً معرفياً ذوقياً، وأفادوا منها في ما ذهبوا إليه تنظيراً للفن والجمال ووصلوا إلى حقيقة مؤكدة مداها وحدة النصوص البصرية والسماعية والكتابية، وبالتالي وحدة قوانين الفن بأشكاله المرئية والمسموعة والمكتوبة . هذا يعني بكلمات أُخرى أن كل مرئي ينطوي على اللامرئي الغائب، وكل مُجسّد ملموس ينطوي على التجريد الذاهب إلى أقاليم الخيال، وكل مسموع ينطوي على الصمت، وكل صمت ينطوي على السماع .. وماهو مكتوب لايخلو من موسيقى بصرية، وما هو مرئي بالعين المجردة لايخلو أيضا من موسيقى بصرية . وهكذا.