في التاسع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) 2007م انطوى علم بارز من أعلام التاريخ اليمني المعاصر، وغاب ركن أساسي من أركان المعادلة اليمنية في الوقت الحاضر. إنه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني، التاريخ الطويل من النضال، والصورة النموذجية لرجل القبيلة المسيَّس، وعنصر التوازن المهم حتى في ظل الاختراقات الدستورية والتنظيمية. اتكأ الشيخ الأحمر رحمه الله على رصيد تاريخي عُرِفت به القبيلة الأولى في حاشد بيت الأحمر، وأضاف إلى ذلك الرصيد التاريخي تجربةً غنية وجديرة بالقراءة الموضوعية المجردة من الأحكام المسبقة. وكما يذكر للشيخ عبدالله حراسته للثورة وحمايته المباشرة للنظام الجمهوري تستحضر الذاكرة موقفه من إعادة الوحدة اليمنية مع الماركسيين في عدن.. ثم وقوفه بكامل ليدرأ عنها خطر الانفصال دون أن تتأثر علاقاته بأحد. تميزت علاقاته الإنسانية والسياسية -تبعاً لذلك- بالاعتدال، فكان مع احتمالات الاختلاف محل إجماع وتقدير كل من في الداخل وفي الخارج بمختلف اتجاهاتهم، فمشايخ الخليج أصدقاؤه وكذلك القيادات الحزبية العربية. وفيما اصطف إلى الجانب الجمهوري ومن ورائهم مصر -مع تحفظاته المعلنة تجاه تعامل بعض القيادات المصرية مع اليمنيين في حرب اليمن الأهلية بين الملكيين والجمهوريين- دفاعاً عن الجمهورية، جاءت المصالحة الوطنية وتطبيع العلاقات السعودية اليمنية حتى يكون طرفاً رئيسياً ومباشراً في الحراسة الأمينة لعلاقات الجارين الشقيقين، فكان من أشد اليمنيين حرصاً على عدم تأثر هذه العلاقات بسبب (حفنة من تراب). وبحكم تجربته الغنية ورصيده الضخم ومكانته المميزة بات حتى مات يعرف عن الشيخ الأحمر أنه من الثوابت والمسلمات في المعادلة اليمنية سواء رضي من رضي بذلك أو كره من كره ذلك.. ومن خلال المراجعة والقراءة الشاملة لتاريخ اليمن في القرن العشرين، ما استقر وضع لم يكن على وئام مع أهم أطراف المعادلة اليمنية -وإذا لم يستند كذلك على إرث ثقافي وتاريخي يوازن بين قوى المجتمع- ولذلك ازدوج حرص الشيخ عبدالله بن حسين بن ناصر الأحمر على حماية الدولة بسلطاتها ومواطنيها واستقرارها مع احتفاظ القبيلة بمكانتها.. مذكراً بتضحياته وتضحيات حاشد عندما ثأرت للشهيدين حسين بن ناصر وولده حميد الأحمر من الحكم الملكي السابق بمعاركها أيام الحرب الأهلية. وحين يَعِنُّ لأحد في الدولة الاختلاف مع مؤسسة القبيلة التي يمثلها الشيخ الأحمر، تجده منحازاً بثقة.. وباعتدال لطرف القبيلة دون أدنى خسارة للطرف الثاني: سلطات الدولة... ولذا على الرغم من انخراطه في العمل الحزبي وميله المعلن -رحمه الله- إلى بعض التيارات ومعارضته المباشرة لتيارات أخرى إلا أنه ظل يؤكد دائماً التزامه الأصيل وولاءه الثابت لمراجعه الأساسية: القبيلة والوطن. فيما مضى من الوقت كان يجري التأكيد على أنه: يبقى الشيخ. واليوم يكون الإيمان برحيل الشيخ مع التشديد على أن ذكراه الطيبة تبقى منه وله. والبشر راحلون مهما امتدت أعمارهم وطالت آجالهم.. المهم هنا بقاء صفحات تاريخ الراحل الأحمر مفتوحة نستمد منها إيجابيته واتزانه وحكمته. والأهم.. وفاءً لذكراه وذكرى الرعيل الأول أن نكون أبناؤه ورفاق دربه وقراء تجربته جميعاً عوامل استقرار ودعائم بناء، لا معاول هدم وأسباب شقاء. والعزاء الحقيقي يكون في تجسيدنا لحرصه -رحمه الله- على البقاء تحقيقاً للتوازن في المعادلة. والتوازن يكون بتعاون كافة الأطراف اليمنية لا في احتكار طرف واحد. وكذلك أن نرث عنه تمسكه بروابط الأخوة والصداقة والمعاضدة ومد يد العون تمتيناً لتلك الروابط التي ما تنكر لها أبداً وبتشبثه بها كوَّن رصيداً ضخماً من المحبة العميقة له والائتلاف الصادق حوله. ذلك عزاؤنا في رحيله. والمواساة منا للصغار الذين افتقدوا برحيله أباً حنوناً. وللنظراء الذين خسروا بغيابه أخاً راعياً.. وللكبار الذين شهدوا فيه ابناً باراً وموقراً. وللقبلية التي كان لها رمزاً أصيلاً، وللدولة وأصدقائها وأشقائها عوناً.. وللتوازن عنواناً وللمواطنين قِبلة.. ولليمن الذي فقد علماً من كبار أعلامه، ورقماً مهماً بين أرقام المعادلة يصعب تجاهله.. وكذلك.. نسيانه. 29-30 كانون الأول 07م