في عدن .. جمعتني جلسة مع أحد أبناء شهداء يناير الدامي .. وفي حضور عدد من الأصدقاء قال ذلك الشاب الذي اُعدم والده - القيادي الكبير- : أي تصالح وتسامح يتحدثون عنه .. أولئك القتلة الذي سحلوا الناس بلا رحمة .. عادوا من جديد لا ليعترفوا بما اقترفوه من ذنب .. بل عادوا ليذكرونا بدمويتهم وبما ارتكبوه من مجزرة بشعة .. وأرادوا- عن عمد وقصد - إنكاء الجروح .. والمزايدة بأرواح اُزهقت ظلماً .. ودماء سفكت عدواناً .. تحت مسمى إنساني مغلف بنيات تخفي الكثير من صور الإجرام المعروفة عنهم !! أتذكر - أيضاً - أنه قال : من يصالح من .. وأين الاعتراف - أولا - بما اقترفوه من جرم بشع .. لننظر في ما بعد ذلك - إمكانية - طي صفحة الحزن والألم والجروح ؟!! إنهم فئة بغت في الأرض .. وأفسدت .. ومنهم من فقد مصالحه .. ومنهم من يريد أن يجرنا إلى ماضيه المعروف - ماضي التصفيات الدموية - متجاهلاً .. ومتجاوزاً .. وناكراً .. لوطن الثاني والعشرين من مايو الذي وحدنا وقضى بلا رجعة على سياسة وسياسيي القتل والسحل والتنكيل والجوع والعطش !! شاب آخر أعرفه جيداً من محافظة أبين .. جمعني به لقاء عابر في منطقة المسيمير .. قال لي : أنا فقدت خمسة من عائلتي .. ليسوا قياديين وإنما مواطنون بسيطون جداً تمت تصفيتهم بطرق بشعة في أحداث يناير .. والآن وبعد مضى 22 عاماً يقيمون مهرجاناً للتسامح قبل أن يبادروا للاعتراف بفضاعة جرائمهم .. وبدم بارد جداً يريدون أن يرهنوا دماء الشهداء لمخطط مصالحهم الدنيئة كما هم الآن مرهونون للخارج !! مثل هذه الآراء ستجدونها على ألسنة الكثيرين ممن عرفوا الأحداث الدامية .. أو ممن سمعوا بها .. وبتفاصيلها المرعبة والإجماع هو لسان حال الجميع .. أتريدونها مصالحة .. أم مصالح ! والجواب لم يتأخر كثيراً .. والمهرجان الذي تعمدوا إقامته في فرزة سيارات فضحهم سريعاً .. وكشف عن خداعهم .. ونياتهم السوداء .. ومخططاتهم الدنيئة .. ومن يقف وراءهم ! تحول التصالح الذي أخفوا وراءه أهدافهم الحقيقية .. إلى هتافات قذرة أعادت إنتاج مناطقيتهم المعروفة التي حولوا بها الغالية عدن إلى حمام دم في يناير 1986م.. ولم يكتفوا عند ذلك بل وصل حال الارتهان عندهم إلى أن يرفعوا ويرددوا شعاراتانفصالية ومعهم في ذلك التجمهر القليل جداً عضو أو عضوان من مجلس النواب .. احدهم يدًعي زوراً الاستقامة وهو يتجاهل التوجيه الإلهي واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويتفرغ لمصالحه الدنيوية التمزيقية !! وليس أبلغ من تلك اللافتات التي كتبت بالإنجليزي حين عرت أولئك النفر بانسلاخهم عن لغة القرآن الكريم .. وتأكيد ولائهم الخارجي لمن يدفع لهم المليارات مقابل تهديم البيت اليمني الواحد .. وإثارة المشاكل .. وزعزعة الأمن .. وضرب الاقتصاد .. وتجويع الناس .. ومن ثم استخدام الكادحين كأداة لمآرب خبيثة ينفذونها بدغدغة العواطف وبالكذب والخداع . نحن -جميعاً- مع قيم التسامح والتصالح والإخاء والمحبة .. ووطن 22 مايو جاء لينشرها ويؤكدها ويكرسها كثقافة لا بديل عنها في قلوب وعقول الأجيال .. لكن الأمر مختلف جداً عند من اعتادوا البطش وتعودوا على التصفيات الجسدية وعبدوا مصالحهم حد الاقتتال والتناحر والتضحية بآلاف الأبرياء ! اعترفوا أولاً بجرائمكم ثم أعلنوا التوبة .. وتحرروا من سيطرة الخارج ..والحاقدين .. والطامعين .. وبعد ذلك بالإمكان أن يبدأ المواطن اختبار نواياكم من باب .. عل وعسى !! [email protected]