ومن يصنع المعروف في غير أهله يلاق كما لاقى مجير أم عامر نعم إن من يصنع المعروف في غير أهله ويضعه في غير محله ومع من لايستحق يكون جزاؤه مثل جزاء الأعرابي الذي أجار أم عامر وحماها من القتل ويطلق العرب اسم أم عامر على أنثى الضبع، وحكاية الأعرابي الذي أجارها ومنع قتلها، ومالاقاه منها بعد ذلك جزاء عمله ومعروفه معها، حكاية مشهورة ومعروفة في كتب الأدب وهي أن جماعة من الفرسان كانوا يطاردون أنثى الضبع بهدف قتلها، فلم تجد مكاناً للهروب والاختباء من مطارديها إلاّ خيمة أعرابي كانت أمامها فدخلتها بدافع الخوف وأملاً بالنجاة، فما كان من هذا الأعرابي إلا إخفاؤها وإنكار وجودها ومنعهم من قتلها وهو يظن أنه قد عمل معروفاً مع أنثى الضبع التي استجارت به ودخلت خيمته بحثاً عن الأمن وطلباً للحماية، ومن غير المروءة والشهامة والأخلاق الغدر بها وتسليمها لمن يريدون قتلها لأن هذا سلوك سيئ وخلق مذموم لايقترفه إلا الجبناء والخونة وأصحاب النفوس السيئة، والعرب ليسوا من أصحاب هذه الطباع والسلوكيات أبداً، والأعرابي بهذا العمل كان يتمثل أخلاقيات وقيم وفضائل العرب الأصيلة، فمن استجار بك فأجره حتى ولو كان عدواً لك. نجح الأعرابي في إبعاد الخطر عمن استجارت به ولكنه لم ينجح في إبعاد الخطر عن نفسه فما إن دخل خيمته ليستريح حتى هجمت عليه أنثى الضبع وغرست أنيابها في جسده وقتلته وهربت قبل أن يتمكن من قتلها بعض من كانوا على مقربة من المكان فصارت حكاية هذا الأعرابي مع أم عامر مثلاً يضرب به على كل من يصنع المعروف في غير أهله ويقدم خدمة لمن لايقدرون ذلك. ونحن اليوم في واقعنا العربي نعيش تلك الحكاية ولكن مع وحش آخر.. وإن كان الوحش هذه المرة ليس أنثى الضبع أو ذكرها ولا أي وحش آخر ولكنه أكثر وحشية وقسوة ودموية من كل سباع الأرض ووحوشها، وحش كاسر غدار ليس له عهد ولا ذمة اصطلح على تسميته دولة اسرائيل، وما تقوم به بعض الأنظمة العربية من مصالحة مع اسرائيل ماهو إلا تكرار لحكاية ذلك الأعرابي وخطئه الذي دفع حياته ثمناً له، وإن مايردده ساسة تلك الأنظمة من كلام حول إثبات حسن النوايا، وضبط النفس، وعدم الانجرار خلف دعاة الحرب وتفويت الفرصة على أعداء السلام، وفضح موقف اسرائيل الحقيقي من عملية السلام، وإظهار العرب بأنهم دعاة سلام، وغير ذلك من العبارات التي يرددونها لتبرير احتضانهم ورعايتهم لاسرائيل والتزامهم بحمايتها. هو أيضاً لايبرر صمتهم المخزي عن الجرائم البشعة التي ترتكبها اسرائيل في الشعب العربي ومقدساته، ولايبرر أيضاً مشاركتهم الآثمة بمحاصرة وتجويع وإذلال شعب بأكمله، ولايبرر أيضاً منعهم للحجّاج من العودة إلى ديارهم وتركهم يواجهون الموت في العراء. وإن ذلك كله لايبرر أبداً ماقاله سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني يوم اعتبر مقتل جنديين اسرائيليين في نهاية ديسمبر من العام الماضي بأنه يوم حزين ومأساوي في تاريخ فلسطين. فهل يعتقد هؤلاء أن اسرائيل راضية عنهم وأن معروفهم محل تقدير لديها، أبداً فحتى كلمة شكر لن يحصلوا عليها ولو ملكوها الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، لأن كل ذلك لامعنى له في قاموس الوحوش ومصاصي الدماء لأن البطش لغتهم والغدر مذهبهم والقتل والدمار حياتهم. فلا يعتقد هؤلاء أن جزاءهم سيكون أفضل من جزاء ذلك الأعرابي، فالوحش الذي اسكنته دارك بين أهلك، إن لم تقتله قتلك وقتل أهلك وأطفالك. ولانريد أن يتحول مجيرو اسرائيل إلى مثل يضرب بهم كما ضرب بالأعرابي مجير أم عامر حتى وإن كانوا من أحفاده. فهل يتعظ الاحفاد من حكاية أجدادهم؟؟؟؟