دون سابق إنذار أو مقدمات، أو حتى أدنى احترام ومراعاة وتقدير لمشاعر ومصالح الآخرين من بني البشر، أصبح المواطن يستفيق مع إشراقة صباح كل يوم جديد على مفاجأة جديدة من المفاجآت التي تضيّق عليه الخناق، وتكرس معاناته وتضاعف همومه، وتثقل كاهله.. حيث لا يكفيه أن يصحو كل يوم على تغيرات وتقلبات جديدة في أسعار السلع والخدمات المختلفة ليفاجأ يومياً بمسلسل جديد من مسلسلات تشويه وتقطيع وتخريب ونبش وحفر واستحداث المطبات في الشوارع والأحياء سواء في أمانة العاصمة أو غيرها من المدن الرئيسة، وبما يبعث على الشعور بالسأم، ويجعل من أحوال الشوارع وتقلباتها المفاجئة وغير المدروسة، من حال إلى آخر، بين كل لحظة وضحاها، لا تختلف عن أحوال الطقس وتقلبات المناخ!. اليوم شوارع وأحياء معزولة مقطوعة غرباً، وأخرى مسدودة مقلوب عاليها واطيها يومياً، وثالثة خطرة محفورة جنوباً مع احتمالات سقوط ضحايا في أية حفرة ليلاً!.. وبالأمس شوارع مردومة مرقعة متعرجة منزوعة الاسفلت ومستوية حيناً، مع احتمال نبش معظمها قريباً، وخضوع البعض “لعملية تشويه جراحية” معقدة وطويلة الأمد نهاراً!.. وبقاء البعض الآخر مسكوناً بالجرافات والحفارات والدكاكات بصورة شبه يومية.. وفي كل الأحوال تحولت الشوارع إلى حقول تجارب، و”جبهات” مفتوحة على كل ما يستفز المشاعر، ويثير السخط، ويبعث على الشعور بالأسى والحسرة، وهي تمثل شاهداً حياً على حالة الفوضى والعبث والارتجال، وسوء التخطيط في مشاريع شق وسفلتة ورصف الشوارع والطرقات ومد شبكات الخدمات العامة المختلفة، بداية بمرحلة إنزال المناقصات، مروراً بتناقضات ومفارقات استلام الأعمال وحتى ما يتخلل عمليات الإشراف والتسليم من حسابات وسلبيات!. وما يزيد الطين بلة كما يقولون، ويجعل من الأمر لا يحتمل ولا يطاق، بل يجعل من هذه الجهود والأعمال تفقد أهميتها وجدواها، عدم أخد القائمين عليها من مسئولين ومقاولين ومشرفين وعمال، للكثير من الحسابات والشروط المفترض توفرها ومراعاتها، أهمها تحديد الاحتياجات المطلوبة، والتخطيط السليم والمدروس والمستوعب لمختلف المشاريع، والتقيد بالبرامج والمواعيد الزمنية لتنفيد الأعمال، وكذا جملة الشروط والمعايير اللازمة والمطلوبة (من دقة ومواصفات وسرعة وتكثيف الأعمال والعمال) فضلاً عن الأخذ في الاعتبار الازدحامات الشديدة، في ظل عدم إيجاد البدائل، وغياب وجود التنسيق مع الجهات ذات العلاقة، والافتقار لدور المرور في تنظيم حركة السير في مثل هذه الأماكن الخاضعة للأعمال، وعدم وجود اللوحات والشخاصات الإرشادية المعدنية والضوئية اللازمة تنبه الآخرين للحفريات.. ونصيحة مجانية «كل واحد ينتبه لنفسه»!. وحدها العشوائية والاستهتار تطغى على مختلف مراحل تنفيد مثل هذه الأعمال!!.. شارع يتم تخريبه في الشهر مرتين، ثلاث مرات!.. وآخر يتم تشويهه والاعتداء عليه وانتهاك حرمة ساكنيه ليل نهار!!.. وثالث يترك بخرائبه وحفرياته إلى أن يتحول إلى مقبرة لبرامج وخطط الإغاثات والمعونات والقروض!!.. ورابع يعاد ردمه في ليل أحلك من الظلام بطريقة “مشي حالك”!!.. وأخير يبقى حظه وحظ ساكنيه العاثر ما يجعل من عملية تخطيطه وتعبيده ورصفه وسفلتته مجرد حلم ومشروع للذكرى في المواسم الانتخابية!. من يرحم ملايين البشر، من يقدر مشاعرهم، ويحسب حساب لمصالحهم من التبعات السلبية لمثل هكذا أعمال لم تبق ولم تذر على شارع سليم؟ والتقلبات في أحوالها، قد تعدتها لتشمل تقلبات الأسعار وطقوس الحصول على لقمة العيش؟ من المسئول عن تحويل مثل هذه الأعمال من مشاريع خدمية تنموية يستبشر الناس بها خيراً، إلى مطبات وتعرجات وعقبات وحفر وحجار عثرة تزيد من معاناة المواطن وتعيق من حركته، وتسبب له الضيق والإحباط !!. طبعاً ليس السبب لجنة إقرار المناقصات، ولا أمين العاصمة، ولا المحافظ الفلاني، ولا المدير الفلتاني، ولا المقاول العلاني ولا غيرهم من المهندسين والمشرفين “الضباحى” الذين يبحثون عن حق القات!! السبب هو الطموح في الحصول على خدمة “مقرشة” كما يقولون، وبيت على شارعين!!. وطبعاً إذا كان تقلب أحوال الشوارع من المسلمات، ولم يعد يختلف على تقلبات الطقس والمناخ والأسعار وظروف الحصول على لقمة العيش، فلابد من أن تأخد الجهات المعنية في أمانة العاصمة ومراكز المدن الرئيسة ووزارة الأشغال العامة والمجالس المحلية في الحسبان إصدار نشرات يومية متخصصة بالشوارع السليمة التي يمكن للمواطنين أن يسلكوها بما يسهل من عملية تنقلهم وقضاء حوائجهم وأعمالهم بسهولة ويسر، بل يتم تلاوتها من قبل المذيع مع نشرات الأخبار وأحوال الطقس والمناخ!!. فعلاً الناس ليست فاضية لمفاجآت “سخيفة” من نوع: “عفواً الشارع يا أخي مغلق”! اليوم عندنا حفريات! والله المسئول العلاني ضيف والموكب حقه يمكن يمر من هنا!!.. مع أنه وللأسف الشديد أن الضيف أول من يصطدم ويكتشف هذا الواقع، وكم نحن مغلوبون على أمرنا عندما يصل إلى مطار صنعاء وتأخذه التعرجات إلى دار الضيافة، وكأنه فوق “هودج” تم تنصيبه على ظهر بغل، وليس فوق سيارة محترمة!! والسبب الشارع الأنموذج!. أخيراً من المسئول عن تشويه شارع المطار بتلك الصورة المخزية والمعيبة لكل يمني، وأين هيئة مكافحة الفساد؟!.. ورجاءً لا تقولوا لي إنها نايمة في العسل، أو أنها لا تعلم بما يجري من أعمال نهب وسرقة “بالجرافات” كما يقولون في مثل هذه المشاريع؟.. لأنني فعلاً “شا ابتسق؟!”.