جاري في هذه الصفحة الزميل د.محمد النهاري تساءل الأسبوع الماضي: لمن يكتب الصحافي؛ لنفسه أم للقارئ؟!.. والتساؤل قديم جديد.. يتلبس الكاتب كلما أحسّ بأن مداد قلمه يذهب جفاء، ولا يترك حراكاً في مياه الحياة الآسنة، أما القارئ فهو دوماً عين الكاتب الذي يراه بين أحرفه ومن حولها وخلفها يلاحقه كظله، ويربت على كتفه إن كانت كلماته شديدة الالتصاق بهمومه، أو يتخطاه إذا كان الكاتب واقفاً بين السماء والأرض، ولا يدري أين تكمن هموم القارئ!!. بعض القراء ينظرون إلى الكاتب وكأنه واحد من أخلص الناس إلى قلوبهم، تراهم في تواصل دائم يقولون له أين أخطأ وأين أصاب «!» لكن بعض القراء لا يقيمون لهذه العلاقة أي وزن، فهم سريعو التنقل بين الكتابات لاختيار ما يرونه جميلاً ومفيداً. والقراء أنواع، بعضهم مثل أشجار الكرز، وبعضهم يشبه أشجار الطلح، والفرق بين الاثنين كالفرق بين «زحل» وكوكب الأرض، الأولى تمنحك ما يسر، أما الثانية فلا داعي للحديث عنها!. ويختلف بعض القراء عن بعضهم الآخر، حيث يقرأك الأول مع قهوة الصباح، والبعض الآخر يمضغك مع وريقات القات، والكاتب المحظوظ من يضعه القارئ في مكان لائق ولا يرميه في سلة المهملات أو يلفّه مع بقايا الطعام!. القارئ لا يعلم بالتأكيد عصارة الألم وأنت تبحث عن المفردات وتنقب عن العبارات لتصل إليه، ولا يهمه إذا كنت قد قضيت الليل ساهراً للبحث عن فكرة جيدة أو ملاحقة قضية مهمة؛ يريد أن يراك صباحاً في كامل القيافة!. الكاتب والقارئ يبحثان عن بعضهما وسط الرماد من الكلمات والعنفوان في الطرح، لا يستقبل القارئ الأسطر التي لا تنتقي قارئها، ولا يتحول الكاتب إلى جدير بالثقة إذا كانت كلماته لا تنير قنديلاً وسط ظلمة حالكة!. كلاهما يبحثان عن استراحة في ركضهما المستمر، لكنهما لا يجدان متسعاً من الوقت، وكلاهما يقعان تحت وابل من التساؤلات التي لا تجد أجوبتها بالتأكيد. ستظل هذه الأزمة مؤرقة إلى أن يلتقيا في استراحة لم تأتِ بعد!.