أصبحت الحاجة مُلحة لأن نقرأ كتابات صادقة وهادئة ، وقد اشتقنا كثيراً لمفردات لا تبعث على القلق والهم، ولا تثير الاشمئزاز عند قراءتها ولا تصيب القارئ بصدمة حين يراها تفترش الصفحات متوسدة عناوين عريضة جاءت من نفس المنبع السيئ. اشتقنا ونشتاق لكتابات تُنسج بمفردات مهذبة ولو لم نتفق مع الآراء المطروحة من خلالها.. فقط عليها أن تتوخى الصدق، وتتحرى المسؤولية، وتتجنب الإثارة، واستعراض الجمل القبيحة المنتقاة مفرداتها من بحور الكلام بعناية لتجسيد المساوئ وتعظيمها وتعميمها على كل شيء. أصدق الكلام وأعذبه ليس كلام الإثارة والمبالغة وتصديق الكذب وتكذيب الصدق، وليس ذلك الكلام الذي يغلق الأبواب ويثير الخوف والرعب.. والمشكلات كلها اليسيرة والمعقدة وما بين الحالين لا تحل بالتهويل والتعظيم، ولا بهذا يكون وصفها الدقيق الذي يساعد على الحلول. لسنا بحاجة لكتابات تضللنا وتخدعنا بمعسول المفردات والجمل . فنرى التقوى على وجه كل ذنب وخطأ وخطيئة.. وفي ذات الوقت لا حاجة لنا بكتابات تزرع الخوف والحزن واليأس والاكتئاب، وتغطي أوقاتنا بالهموم حين تصور لنا كل الأعمال خطايا وتدفع بالأوضاع إلى أحضان الكارثة. نحن بحاجة لأحرف لا تكذب ولا تساوم على صدقها، وكتابات لا ينتقي أصحابها أسوأ المفردات للتعبير عن فكرة أو رأي، فلا الكذب ولا المبالغة ولا انتقاء المفردات السيئة يصنع مجداً لكاتب ولا ذلك يمنحه أفضلية وإن بدا له الأمر كذلك موقتاً حين تثير المبالغة والإثارة ردات أفعال يفرح بها من يعجبه الضجيج العابر، لكن من المؤكد أن هذا لن يستمر ولن يخدمه كذبه كثيراً، ولن تخدمه الإثارة، ولن تفيده كل المفردات القبيحة، فهي ليست دليل شجاعة وجرأة، مثلما أن الصدق لا يدل على خوف صاحبه، غير أن الصدق يعتمد عليه وهو الحبر الذي لا ينفد. وقت ليس بالقصير مضى، ولم نشهد غير اتساع خارطة المفردات السيئة وتعاظم لغة العداء الموجّه نحو كل شيء.. صارت الأجواء مشحونة بهذا النوع من المفردات والكتابات التي لا تأتي منها غير الهموم والحزن منها وعليها. الذين قاطعوا قراءة بعض الصحف وقاطعوها إنما يفعلون ذلك هروباً من المفردات السيئة التي تتربع على صفحاتها، وهروباً من الإزعاج والهموم التي تجلبها قراءة تلك الصحف، لأن من يقرأ يبحث في الأساس عن منفعة مفترضة أو على الأقل للترويح عن النفس وهروباً من فراغ، أو هموم تترصده هنا وهناك، فعندما تكون نتيجة هذا الهروب الأخير الوقوع في همٍ أكبر وقلق أعظم فإن الهروب الأول هو الأفضل حفاظاً على ما تبقى من مساحة هدوء واطمئنان وراحة بال ، وكثيراً ما يسمع أحدنا عن أشخاصاً لا يقرأون الصحف مطلقاً؛ لأنها تجلب وجع الرأس وربما وجع القلب أيضاً، وقد سمعت هذا الكلام كنصيحة أسداها أحدهم إليّ لعلاج الصداع والضجر والهم. والحقيقة أن هذه النصيحة لا تخلو من صدق إذا ما نظرنا إلى كثير مما يُكتب في بعض الصحف، ناهيك عن كون تلك الكتابات سبباً رئيساً لأمراض القلب وفساد المبادئ خصوصاً عند من لم يدركوا بعد ما وراء تلك الكتابات ومغازيها، وعند أصحاب النظرات البريئة الذين يقعون في شراك الهموم الناجمة عن تلك الكتابات بسهولة. وكيفما حسبناها فإن الكلام السيئ لا يصنع ثقافة سليمة، ولا يحل مشكلة، وتبقى الحاجة أكثر إلحاحاً لمفردات جميلة تنفع ولا تضر، إن لم تحل مشكلة أو تعالج قضية.