ما يحدث من ارتفاعات مطردة لأسعار الإيجارات أمر، يدعو للقلق خاصة وأن هذه الارتفاعات مرشحة للتصاعد أكثر فأكثر في ظل غياب قانون ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والذي يحدد نوع العين المؤجرة ومقابل ايجارها ونسبة الزيادة التي يستطيع المؤجر إضافتها إلى قيمة الايجار بطريقة منطقية وواقعية وتتلاءم مع الواقع المعيش والظروف الاقتصادية والاجتماعية. الجميع يعرف أن توفر المسكن اللائق أحد الشروط الهامة للاستقرار الاجتماعي وأحد المعايير لمدي تمتع الإنسان بآدميته، وفي كل بلاد الله يستطيع الموظف العادي أن يحصل على مسكن بإيجار لا يتجاوز ربع راتبه الشهري، أما في بلادنا فإن ايجار المسكن قد يلتهم نصف الراتب، إن لم يكن في بعض الحالات أكثر من ذلك وليس هناك مايمنعه من ذلك. وما يحصل على أرض الواقع هو أن المؤجرين لهم مطلق الحرية في تحديد قيمة ايجارات عقاراتهم ولا يخضعون لأية قوانين أو أنظمة في هذا الجانب سوى قوانينهم وأنظمتهم الخاصة وكأنهم يعيشون في كوكب آخر وليسوا جزءاً من النسيج الاجتماعي للمجتمع والغريب في الأمر أن بعضهم وبكل صفاقة يطلبون من المستأجرين عدم الإفصاح عن المبلغ الحقيقي للإيجار للتهرب من دفع الضرائب الواجبة عليهم ، وهؤلاء البعض يظل قيمة الإيجار ثابتاً ولعدة سنوات أمام مصلحة الضرائب بينما في الحقيقة مايأخذونه كإيجار يصل إلى الضعف عما يصرحون به، ففي كل سنة يقوم المالك برفع قيمة الإيجار حسب رغبته وبالزيادة التي يريدها ولا يستطيع أن يوقفه أحد .. والمستأجر هنا أمام خيارين أولهما الرضوخ للأمر الواقع والموافقة على الزيادة ولوكانت فوق طاقته وقدراته، وثانيهما الرفض وفي هذه الحالة سيكون مصيره الطرد والذهاب للبحث عن سكن جديد .. لأنه لا شيء لديه يمكن أن يستند إليه لإجبار مالك العقار على التراجع عن جشعه وطمعه .. حتى إن عقود الإيجارات التي يتم التعامل بها في هذا الشأن كافة بنودها لصالح المؤجر وليس فيها بند واحد أو حتى إشارة تصب في مصلحة المستأجر المغلوب على أمره.. بينما لوكان هناك قانون ينظم هذه العملية وعقود قانونية موثقة لدى جهات رسمية فإنه بالإمكان الاستناد إليها في هذه الحالة. الفرد منا يظل يعمل ويكد طوال اليوم حتى يستطيع على الأقل أن يعيش حياة هادئة بعيداً عن النكد والتنغيص ، يوفر لأسرته حياة كريمة لائقه بالجنس الآدمي .. ولكن كيف له ذلك وهو يعيش هماً يومياً متمثلاً بغلاء الأسعار وهماً شهرياً متمثلاً بغول الإيجار يلتهمان كل ما يجنيه من عمله بل ويظل يرزح تحت الديون التي تتعاظم وهي تنتقل معه من شهر إلى شهر وتقضي على كل أمل له لتحسين وضعه ووضع أسرته المعيشي. زيادة الإيجارات الجنونية لم تعد تخضع لا لعقل ولا لمنطق ولا تراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، فالعملية كلها أصبحت محكومة بجشع وطمع المؤجرين وهو وضع طبيعي في ظل غياب القوانين التي تنظم هذه العملية وتقننها وتحفظ حقوق الطرفين، وهو مايجعل من وجود القوانين أمراً ضرورياً لمواجهة جشع المؤجرين ورأفة بالمستأجرين وحفاظاً على آدميتهم وصون كرامتهم.. أما أن يظل الوضع على ما هو عليه فإن ذلك من شأنه أن يخلق آثاراً سلبية على شريحة واسعة من المجتمع وسيحدث شرخاً في النسيج الاجتماعي من الصعب لملمة آثاره ونتائجه مستقبلاً.