• مشكلة الإيجارات والارتفاع المتواصل في أسعارها بصورة غير معقولة؛ واحدة من أهم المشاكل التي يعانيها أبناء المجتمع اليمني؛ حيث تربك حياتهم اليومية وتحرمهم التمتع باستقرار نفسي واجتماعي ومعيشي؛ باعتبار أن توافر المسكن اللائق هو أحد الشروط المهمة للاستقرار الاجتماعي، وأحد المعايير لمدى تمتع الإنسان بآدميته. ففي كل البلدان التي تحترم مواطنيها وتضع اعتباراً لكرامتهم وإنسانيتهم يستطيع الموظف العادي أن يحصل على مسكن بإيجار لا يتجاوز ربع راتبه الشهري، أما في بلادنا فإن إيجار المسكن قد يلتهم نصف الراتب، وربما أكثر في بعض الحالات، وليس هناك ما يمنعه من ذلك..!!. • الارتفاعات المطردة في أسعار الإيجارات تضيف أعباء جديدة على المستأجرين المثقلة كواهلهم أصلاً بارتفاعات أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية المتصاعدة باستمرار، وهي مشكلة مرشّحة للتصاعد أكثر فأكثر في ظل غياب قانون ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر والذي يحدّد نوع العين المؤجّرة، ومقابل إيجارها، ونسبة الزيادة التي يستطيع المؤجّر إضافتها إلى قيمة الإيجار بطريقة منطقية وواقعية تتلاءم مع الواقع المعيش والظروف الاقتصادية والاجتماعية. • ما يحدث حالياً في مسألة تحديد أسعار الإيجارات هو أن المؤجّرين لهم مطلق الحرية في تحديد قيمة إيجارات عقاراتهم، ولا يخضعون لأي قوانين أو أنظمة في هذا الجانب سوى قوانينهم وأنظمتهم الخاصة وكأنهم يعيشون في كوكب آخر وليسوا جزءاً من النسيج الاجتماعي..!!. والغريب في الأمر أن بعض المؤجّرين وبكل صفاقة يطلبون من المستأجرين عدم الإفصاح عن المبلغ الحقيقي للإيجار للتهرُّب من دفع الضرائب الواجبة عليهم، وهؤلاء البعض يُبقي قيمة الإيجار ثابتةً ولعدة سنوات أمام مصلحة الضرائب؛ بينما في الحقيقة ما يأخذونه كإيجار يصل إلى الضعف عمّا يصرّحون به. • ففي كل سنة يقوم مالك العقار برفع قيمة الإيجار حسب رغبته وبالزيادة التي يريدها، ولا يستطيع أن يوقفه أحد، والمستأجر هنا أمام خيارين؛ إما الرضوخ إلى الأمر الواقع والموافقة على الزيادة ولو كانت فوق طاقته وقدراته، وإما الرفض، وفي هذه الحالة سيكون مصيره الطرد والذهاب للبحث عن سكن جديد، ولا شيء لديه يمكن أن يستند إليه لإجبار مالك العقار على التراجع عن جشعه وطمعه؛ لأن كافة بنود عقود الإيجارات التي يتم التعامل بها في هذا الشأن لصالح المؤجّر وليس فيها بند واحد أو حتى إشارة تصب في مصلحة المستأجر المغلوب على أمره؛ بينما لو كان هناك قانون ينظم هذه العملية وعقود قانونية موثّقة لدى جهات رسمية فإنه بالإمكان الاستناد إليها لوضع حدٍ لجشع وطمع المؤجّرين. • الفرد منا يظلُّ يعمل ويكد طوال اليوم حتى يستطيع على الأقل أن يعيش حياة هادئة بعيداً عن النكد والتنغيص، يوفّر لأسرته حياة كريمة لائقة بالجنس الآدمي، ولكن كيف له ذلك وهو يعيش همّاً يومياً متمثلاً بغلاء الأسعار وهمّاً شهرياً متمثلاً بغول الإيجار يلتهمان كل ما يجنيه من عمله؛ بل يظل يرزح تحت الديون التي تتعاظم وهي تنتقل معه من شهر إلى شهر وتقضي على كل أمل له لتحسين وضعه ووضع أسرته المعيشي، وهو ما يشترط إيجاد آلية معيّنة وملزمة لتحديد أسعار مقبولة لإيجارات المساكن «لا إفراط ولا تفريط» وكذا تحديد مقدار الزيادة في قيمة الإيجار، ومتى يحق للمؤجّر ذلك وليس سنوياً كما يحدث الآن..؟!. • الزيادة الجنونية في الإيجارات لم تعد تخضع لعقل أو منطق، ولا تراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية لغالبية أبناء المجتمع، وهي محكومة فقط بجشع المؤجّرين وطمعهم الذي لا نهاية له، ويتحمّل تبعاتها المستأجرون المغلوبون على أمرهم، وكذلك الدولة التي تخسر جزءاً كبيراً من الموارد المالية بسبب تلاعب العديد من المؤجّرين وتهربهم عن دفع القيمة الحقيقية للضريبة السنوية المستوجبة على عقاراتهم المؤجّرة. • هذه المشكلة التي تؤرق حياة غالبية أبناء المجتمع تستدعي البحث عن حلول سريعة وعملية؛ منها إيجاد قانون منصف يحفظ حقوق الأطراف الثلاثة «المؤجّر والمستأجر والدولة» وأن تتبنّى الجهات المعنية ومؤسسات القطاع الخاص تنفيذ مشاريع سكنية تلبّي حاجات الناس وتحرّرهم من جشع المؤجّرين رأفة بهم وحفاظاً على آدميتهم وصوناً لكرامتهم. أما أن يظل الوضع على ما هو عليه، فإن ذلك من شأنه أن يخلق آثاراً سلبية على شريحة واسعة من المجتمع، وسيُحدث شرخاً في النسيج الاجتماعي من الصعب لملمة آثاره ونتائجه مستقبلاً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك