غلاء الإيجارات وارتفاعاتها المطردة سنوياً بصورة غير معقولة هي واحدة من أهم المشاكل التي يعانيها أبناء المجتمع؛ حيث تربك حياتهم اليومية وتحرمهم التمتع باستقرار نفسي واجتماعي ومعيشي باعتبار أن توفر المسكن اللائق أحد الشروط المهمة للاستقرار الاجتماعي وأحد المعايير لمدى تمتع الإنسان بآدميته. الارتفاع المتواصل لأسعار الإيجارات يثير حنق واستياء المستأجرين المثقلة كواهلهم أصلاً بارتفاعات أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية المتصاعدة باستمرار دون أي مبرر، ومطلبهم الأساسي هو وقف هذا الاستنزاف الذي يتعرضون له من قبل أصحاب العقارات والتجار الذين يجرون وراء مضاعفة ثرواتهم حتى ولو كانت على حساب ذوي الدخل المحدود. المستأجرون الذين ضاقوا ذرعاً بحمّى ارتفاع أسعار الإيجارات يطالبون أيضاً بضرورة إيجاد آلية معينة وملزمة للجميع لتحديد أسعار مقبولة لإيجارات المساكن (لا إفراط ولا تفريط) وكذا تحديد مقدار الزيادة التي يمكن أن يضيفها المؤجر إلى قيمة الإيجار بطريقة منطقية وواقعية تتلاءم مع الواقع المعيش والظروف الاقتصادية والاجتماعية. ما يحدث حالياً هو أن تحديد أسعار الإيجارات يتم بطريقة عشوائية يحكمها مزاج وجشع المؤجرين الذين لهم مطلق الحرية في تحديد قيمة إيجارات عقاراتهم ولا يخضعون لأي قوانين وأنظمة في هذا الجانب سوى قوانينهم وأنظمتهم الخاصة وكأنهم يعيشون في كوكب آخر وليسوا جزءاً من النسيج الاجتماعي. لا شك أن أحد الأسباب الرئيسة للارتفاعات المتتالية للإيجارات هو عدم توفر العدد الكافي من المساكن لقلة المعروض منها مقابل زيادة الطلب عليها والتي فرضها تنامي الهجرات الداخلية من القرى إلى المدن وزيادة معدل النمو السكاني, وهو ما يدفع أغلبية المؤجرين إلى التحكم بسوق إيجارات المساكن وزيادتها كما يشاؤون دون وازع من ضمير أو إحساس بمسئوليتهم المجتمعية في التخفيف من أعباء ومعانات إخوانهم المواطنين. هذه الزيادة الجنونية في الإيجارات لم تعد تخضع لا لعقل ولا لمنطق ولا تراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية لغالبية أبناء المجتمع، فالعملية كلها أصبحت محكومة بجشع المؤجرين وطمعهم الذي لا نهاية له، ويتحمل تبعاتها المستأجرون المغلوبون على أمرهم، وكذلك الدولة التي تحصل على ضريبة سنوية على العقارات المؤجرة، حيث إن غالبية المؤجرين لا يفصحون عن القيمة الحقيقية لإيجارات عقاراتهم حتى لا يدفعون المبلغ الحقيقي المفروض عليهم كضريبة سنوية، إضافة إلى أن قيمة الإيجار لعقار معين يظل ثابتاً لسنوات عديدة أمام مصلحة الضرائب, بينما في الحقيقة يكون هذا الإيجار قد تضاعف عدة مرات بسبب الزيادات السنوية التي يفرضها المؤجرون على المستأجرين, وهو ما يحرم الدولة الكثير من الموارد المالية بسبب هذا التلاعب. هذه المشكلة التي تؤرق حياة الغالبية العظمى من أبناء المجتمع تتطلب البحث عن حلول سريعة وعملية, ومن هذه الحلول إيجاد قانون منصف يحفظ حقوق الأطراف الثلاثة “المؤجر والمستأجر والدولة” وأيضاً أن تتبنى الجهات المعنية أو مؤسسات القطاع الخاص الاستثمار في هذا الجانب بالعمل على تنفيذ مشاريع سكنية تلبي حاجات الناس وتحررهم من جشع المؤجرين رأفة بهم وحفاظاً على آدميتهم وصوناً لكرامتهم. أما أن يظل الوضع على ما هو عليه, فإن ذلك من شأنه أن يخلق آثاراً سلبية على شريحة واسعة من المجتمع, وسيحدث شرخاً في النسيج الاجتماعي من الصعب لملمة آثاره ونتائجه مستقبلاً. [email protected]