سيتداعى الزعماء العرب قريباً إلى قمة جديدة تعتبر الأكثر غموضاً ومفاجآت، فالقمة القادمة ستنعقد تحت قعقعة السلاح الاسرائيلي المنفلت من كل عقال وأخلاق، وبالترافق مع خصومة فلسطينية مُحزنة، وفي ظل وضع لبناني متفجر، وبالتساوق مع غياب تام لأجندة عربية واضحة الملامح، حتى إن الاستقطاب الثنائي التقليدي الذي كان يترافق مع القمم السابقة أصبح عزيزاً وصعب المنال، وهكذا غدت التنازلات العربية المتبادلة من رابع المستحيلات بعد أن تفرق العرب إلى أجزاء مُتشظية، وأصبح التشرذم سيد الموقف ليس بين “ رؤساء وملوك الطوائف “ فحسب، بل داخل البلدان وفي قمة الهرم السياسي الرسمي لأغلب الأقطارالعربية . في مثل هذه الأحوال لايمكننا توقع قمة عربية حقيقية، بل لقاء عربي فولكلوري لن يضيف جديداً إلى حالة التضبب والغياب المُفزع، واذا كانت هنالك من حسنة لهذه القمة فهي أنها تذكرنا بأننا عرب ننحدر من لغة واحدة، وتجمعنا الجغرافيا والتاريخ، وأننا بإصرارنا على استمرار القمم الفولكلورية إنما نعزز انتماءنا إلى مرابع أسلافنا وخيامهم المنصوبة في متاهة الصحراء . ولكن، وحتى على افتراض انعقاد القمة بصورتها السالفة من المتوقع أن يغيب بعض الزعماء العرب، وربما الكثيرون، وستكون دمشق الحاضنة للقمة مُطالبة بالحياد تجاه أكثر الملفات تأثيراً عليها وهو الملف اللبناني، لكن هذه المطلب الاستبعادي لدمشق سينسف مرجعية الطائف العتيدة التي ما كان لها أن تكون لولا التوافق بين الرياضودمشق، والعجيب الغريب أنه - وبالرغم من المغادرة الرسمية السورية للساحة اللبنانية المباشرة وتمترسها في الفناء القريب - إلا أن نصف فرقاء الساحة اللبنانية مازالوا مُصرين على اعتبار الطائف أساساً للتسوية، أما النصف الآخر من الفرقاء فقد وصل في استيهاماته قدراً بعيداً يتناسب مع فرضية استمرار الاستبعاد الإجرائي الأمريكي لسوريا. هل سيجتمع العرب على أن يعيدوا تسوية الملعب اللبناني وفق مرجعية الطائف ؟ وهل بوسعهم تبني المبادرة اليمنية للتسوية بين فتح وحماس ؟ وهل يمكنهم إعادة النظر في العمق الصومالي بعد أن بدأت مواقع “ شرعية نيروبي “ تتساقط تحت حراب المحاكم الاسلامية ؟! وماذا بوسعهم ان يقولوا عن بروفة التدخل التركي في شمال العراق ؟! وهل لديهم خيارات تجاه الهجمة الأمريكية الأطلسية الدارفورية؟! شخصياً لا أرى سوى المزيد من العتمة والضباب، ولا أتوقع شيئاً من هذه القمة إن انعقدت