يتداعى الزعماء العرب نحو قمتهم الدورية الجديدة، ولكن الملغومة هذه المرة بأكثر من ملف مُقلق، وبقدر كبير من ضبابية الرؤية وتعدد المواقف، فهذه القمة تنعقد في ظل أوضاع سياسية وميدانية حرجة، سواء في فلسطينالمحتلة أو لبنان المتشظّي بمرجعية الطائفة والدين. ويتساوق مع هذه الأوضاع قدر كبير من الخلافات البينية العربية غير المُعلنة بشفافية، مع سيادة واضحة للمواقف الرمادية التي لا تريد أن تقدم موقفاً أو تقول رأياً إزاء ما يحدث هنا وهناك. يذهب العرب هذه المرة إلى القمة وقد عزّت الأيام السابقة برغم ما انطوت عليه من خلافات واختلافات، والشاهد أنهم كانوا يتداعون إلى القمم بقدر من الاستقطاب الثنائي والاصطفافات الواضحة التي كانت تُسوّى على قاعدة التراضي والتنازلات الإجرائية، وكانت هذه المواقف التنازلية، والتراضي المتبادل توصل إلى قدر من وحدة الرأي المُعلن بغض النظر عن قابلية التطبيق، لكنهم هذه المرة يفتقرون حتى إلى تلك الثنائية القابلة للتدوير والخروج بماء الوجه، فالحاصل أن التمزق التعددي غير الحميد لم يعد سمة عامة، بل إنه يطال الاجتهادات والرؤى الداخلية داخل كل بلد على حدة، ولهذا السبب قد يلجأ بعض الزعماء إلى عدم المشاركة، بل إن بعض المراقبين يصلون في التشاؤم إلى حد اعتبار القمة القادمة مجرد لازمة بروتوكولية للطبطبة على الرؤوس وعدم التنازل عن التقليد الفولكلوري العربي بلقاء القادة وتبادل الأحاديث والنكات، وربما بعض التداولات البينية الحميمة على طريقة النشامى العرب. في حالة انعقاد القمة وفق المخطط له فإن دمشق ستكسب زخماً معنوياً مؤكداً لأنها الدولة المضيفة هذه المرة، وهي إلى ذلك تُغرد خارج السرب لإصرارها على الممانعة والرفض المبدئي للسياسات الأمريكية في المنطقة، كما إن مركزية دمشق في الشأن اللبناني ستذكر الجميع بالدور السوري في الملف اللبناني الذي خرج سابقاً بمرجعية الطائف عطفاً على التسوية الإقليمية والدولية التي مثّلت المملكة العربية السعودية وسوريا رأسي حربتها العتيدة، والدليل أننا الآن أمام ذات الحالة اللبنانية التي لا تريد مفارقة تلك المرجعية على الأرض، بدليل استمرار التوافق “الديمقراطي” الطائفي، والعجز الظاهر في الخروج من مأزق استكمال الشرعية بورقة توت التعيين الرئاسي، والتهاب الساحة بالتمترس والاستقطاب الحادين، وأخيراً وليس آخر وصول المدمرة الأمريكية (كول) مع بوارجها وعديد عدتها وعتادها. ولا يخلو اختيار هذه المدمرة بالذات من إشارة، وهي التي كانت تعرّضت لهجوم كاد أن يغرقها في ميناء عدن، وها هي تتبختر الآن على مرمى حجر من المياه الإقليمية السورية اللبنانية. هذا أثقل ملف سيواجه القمة العربية، مع تقرير يقدمه الأمين العام للجامعة عمرو موسى وسيوضح فيه وصوله إلى نقطة مسدودة وإخفاقه في حلحلة المشكلة الرئاسية اللبنانية برغم جولاته المكوكية المتتالية إلى دمشق وبيروت، وعلى خط مُتّصل سيواجه العرب الملف الفلسطيني الذي تكتمل كآبته بخلافات فتح وحماس، وتتكامل تراجيديته الإنسانية بمشهد القتل اليومي للفلسطينيين في غزة، وسلسلة الحصارات المبتكرة وغير المسبوقة تاريخياً، في الطرقات وبين المدن والقرى، وصولاً إلى إغلاق المعابر المؤدية إلى بلدان العرب المجاورة، فبأي منطق سيجد الزعماء ما يقولونه، وكيف يمكنهم تفسير ما يحيق بالشعب الفلسطيني والكل شاهد ومُشاهد وشهيد؟ نعم، إن ما يجري في الأرض المحتلة، وما يمكن أن نشهده في لبنان، وما رأيناه في العراق والصومال مجرد بداية لأيام عصيبة، فالمتوالية تتصاعد جنوناً، والعجز يتسرمد حد انغلاق الآفاق والعقول والقلوب، ولبنان على مرمى حجر من نائبة كبرى، والعراق تائه في دروب “التباعد الحر” عن محيطه العربي، والصومال يعيد إنتاج متوالية الصراع بين المحاكم وشرعية نيروبي العاجزة حد التمترس وراء العسكرية الإثيوبية، وفلسطين تشتعل بنيرانها الحامية متعددة الوجوه والأذرع، ودارفور السودانية يتم الانفراد بها، والعمق الديمغرافي العربي يتابع احتقانات الأنظمة وإصرارها على التسيير بالأزمة والتمرير، والشارع العربي العام تتخطفه الملل والنحل حد العدمية وانتشار الخفائيات السياسية المتدثرة بالعقائد. تلك هي المقدمات الواقعية الشاخصة التي ستحاصر زعماء القمة، فماذا هم فاعلون؟!