لا أبالغ إن قلت إنَّ كل شبر من أرضنا اليمنية يحتوي تراثاً ومجداً زاخراً بالتنوع والخصوصية والابداع، فاليمن منبع حضارة منذ القدم، حضارة اتسمت بالمجد والخلود، حضارة لإنسان مبدع تأقلم مع تضاريس أرضه وصنع المعجزات، بالتخطيط والفن والهندسة والسياسة، وسد مأرب وصهاريج الطويلة شاهدان على براعة وإتقان أبهرا العالم قديماً وحديثاً لكن للأسف ما نراه اليوم، وما يحدث على أرض الواقع بحق هذه الحضارة والإرث من جرائم يندى لها الجبين، وقد تحول الكثير إلى نباشي قبور، بحثاً عن الحلي والمجوهرات والتماثيل، فقد انتشرت هذه الظاهرة في كثير من المناطق اليمنية على نحو مخيف، بل ربما قد تعم كل المناطق لأنه أصبح هوساً ومرضاً، فالكل يتحدث عن ذلك أنى ذهبت، من الفلاح حتى المتعلم والمثقف بحثاً عن الثروة والمال، فيا لها من صورة قاتمة تبعث الاشمئزاز والقرف من هكذا أناس، يمتهنون الهبر والسرقة وتشويه التاريخ والعبث به دون رقيب أو وازع من ضمير أخلاقي وإنساني، فما هكذا تورد الإبل أقولها لكل يمني يجب عليه المحافظة على تاريخ أجداده وحضارته، فإهانة الأجداد إهانة لنا، يجب أن نعرف ذلك ونتعلمه ونعلمه الأجيال، بإنه إهانة لهم، وإهانة للمجد وللتاريخ وللحضارة فقد تصل الصورة إلى أن المجتمع ككل غدا عاقاً، أو يمارس العقوق بطريقة أو بأخرى، فالعبث عقوق، والنهب والنبش للقبور عقوق، والسكوت عن ذلك عقوق، ولمَ لا فالسكوت عن ذلك هو ضياع وإجرام وتشويه لتراثنا، وتراث آبائنا وأجدادنا. فلا بد أن نعلم بأن الكل يتحمل المسئولية في هذا العبث الحاصل اليوم من الأفعال الشنيعة التي لا تدل على حكمة اليمني، وحرصه على تاريخه وحضارته، فلا بد من نشر التوعية بمخاطر ذلك لأنه يمس الهوية الثقافية ويصيبها بمقتل، الهوية التاريخية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، فالآثار والأماكن السياحية ليست ملكاً ولا إرثاً لأحد، إنما هي ملك اليمنيين كافة، فهي لن تكون غنيمة لمن يعثر عليها، وليست تركة أو كنزاً يجب الاستيلاء عليه.. وعلى الجميع أن يعرف ذلك فهذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة علمية لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذه الحوادث ومعرفة كوامن الخلل الذي أوصلنا إلى هكذا أعمال، ثم نسعى بعدها إلى حماية آثارنا وإزالة ما علق بها من الغبار، وإيداعها أماكنها الصحيحة التي تليق بها، أسوة بكل بلاد العالم التي تعتز بحضارتها وتاريخها الذي سُهل علينا، علينا إقامة المتاحف في كل المدن اليمنية والعمل على الترويج السياحي الصحيح، وربما لن يكون كل ذلك إلا بقوانين صارمة وبجهود علماء، وبوعي وطني خالص، يتحول معه كل شرائح المجتمع إلى حماة لهذا الإرث الإنساني الخالد. ?نقش سبئي قد قتلنا آلهات الظلم، أحرقنا أساطير الإمامة فلماذا نترك القرصان واللص المعاصر يقلق البحر الذي دفع الجيل إليه «ذو نواس» ينشد الفرسان في البحر إذا لم يعد في الأرض خيل وأناس كيف لا؟ كيف السكوت؟ ما الذي يحيي أوراس الجد؟ ما الذي فيه يموت؟