الحياة جميلة .. هذا ما حدثت به نفسي صباح اليوم عند الجلوس لاحتساء كوب من الشاي ، أقسمت قبل لحظة الخروج من المنزل أن أكون إنسانة أكثر بشاشة ، نفضت بقايا الكسل عني وبعض الأفكار المزعجة وهممت بالخروج مُبكرة لرؤية الشمس وهي ترسل أولى خيوطها الذهبية معلنة بداية يوم جديد . بدأت ملامح الشارع تنكشف شيئاً فشيئاً مع تسلل الضوء ، ها هو عامل النظافة يكنس الشارع الهادئ بصمت سعيد ، وهناك شيخ قادم من بعيد يرتكز على عكازه ولحيته البيضاء تقطر طهارة ، وتلاوة رخيمة تنبعث من نافذة أحد البيوت ... إنه المشهد الصباحي التقليدي ، الاختلاف الوحيد إنني لم أكن هذه المرة تقليدية كان لدي استعداد لتقبل كل الصور الجمالية ببسمة وتفاؤل بعد الأزمات النفسية الشديدة التي مررت بها مساءً ، فقد نفيت في داخلي كل صور ومعاني التفاؤل وتخبطت تائهة ، حائرة بين جدران أفكاري ، مع المساء نغرق في بحر الحزن والكآبة لنرى الحياة كالليل الأسود المظلم لا ينير أبداً ، ذلك السواد الذي يلقي بظلاله عليّ جعلني أحكم على باقي الأيام القادمة ولا نفتح المجال لولوج النور الأبيض ، ليغيب القمر عن سماء الدنيا . إن ما نتعرض له من متاعب ومصاعب ، يعبر فوق سماء حياتنا صباحاً هو ما يجعلنا نتحطم مساءً ، وفاة روح المقاومة في داخلنا وعدم ترقب أي شيء جميل في الحياة يجعلنا نعيش في دوامة لا نرى أملاً في إشراقة شمس جديدة قد تتبدل معها الأشياء من حال إلى حال . نعجب حين يفكر البعض بالانتحار هروباً من حالة اليأس والإرهاق والفتور في النفس والعزيمة والإرادة ، كيف لا نعجب برؤية شرود وضياع الناس وهم يمضون في طرقات الشوارع ، أفكارهم شاردة يتجرعون كل الهموم رغماً عنهم ، تمر عليهم أوقات وأيام وشهور تضيق عليهم الأرض بما رحبت ، وتتكسر كل الآمال في النجاة ، صرنا نعيش في زمن صعب نواجه كل يوم أنواعاً مختلفة من الصعاب ، فهل هذا مبرر حتى نتوقف عن التنفس ؟!! أو نرمي بأنفسنا إلى جزيرة ما ؟!! أو نعيش ثقافة التعاسة لندمر ما تبقَى من إنسانيتنا ومن وجودنا ؟!! الحياة قد تكون جميلة بكل ما فيها ، الدموع تغسل الأوساخ داخل عيوننا ، والأحزان تهذّب النفس وتصفي الروح ، والتعاسة تخلق القدرة على قوة الصبر والاحتمال لنصنع أملاً جديداً تختفي معه علامات التشاؤم في حياتنا ، فلا نعد نرى المهندس قد عين مدرساً لمادة التاريخ ، والطبيب مديراً لمصلحة الضرائب ، والضابط صار تاجراً ، والأطفال يبحثون عن طعامهم في صناديق القمامة ، والشباب مشرد على قارعة الطرقات ، والفقير يحسد الغني على أمواله ، والشريف منبوذ بين عشية وضحاها ، والأب لا يدلع طفله المراهق باقتناء سيارة فارهة ، والقاضي لا يمد يده من تحت الطاولة ليتقاضى الثمن قبل النطق بالحكم ، والمظلوم لا يجرؤ على الشكوى .. حقاً ، كل تلك علامات تدعونا للتفاؤل ، وعدم الصراخ بصوت عال كي لا نفقد أعصابنا ، و أن نشعل الشموع لوفاة حلم وولادة آخر ، والمسرة عند اشتداد الألم لنخلق الروعة ، ونتبسم في وجه العتمة التي تجرفنا نحو الضياع لنزداد بريقاً ونواصل السير .