من بين أسوأ وأخطر نتائج الاحتلال الأمريكي للعراق هي العاهات الدماغية التي أصابت الكثير ممن يدّعون وعياً وأنهم زعماء العراق الحر، وأكثر هؤلاء جاءوا مع وبعد الاحتلال مستفيدين من حالة الفوضى التي أصابت البلد جراء الاحتلال فكان هؤلاء في مقدمة النتائج المدمرة التي لحقت بأرض الرافدين. واحدة من القنوات العربية بثت حواراً قصيراً مع أحد هؤلاء المصابين في عقولهم وهو يدعي أنه عراقي مناضل مخلص ويدعي من الوطنية ما لا يدع لغيره شيئاً منها، وأوردت القناة في سياق الحوار على لسان هذا الشخص أن بعضاً من كبار مسؤولي «العراق الحر» قد أكملوا مفاوضاتهم مع هذا الشخص لشراء حذائه الذي كان يرتديه يوم التاسع من ابريل 2003م ليتم وضعه في متحف العراق الحديث. ويتضح لنا من خلال هذا الموقف حجم الكارثة التي لحقت بالعراق جراء وصول هذا النوع من الناس إلى مركز السلطة والقرار في بلاد العراق، فصاحب الحذاء المرشح لدخول متحف العراق الحديث هو ذلك الرجل الذي تناقلت الفضائيات صورته يوم اكتمال النكبة في التاسع من ابريل 2003م بسقوط بغداد في قبضة قوات الاحتلال الأمريكي ومن جاءوا معها ومنهم هذا الرجل الذي ظهر يومها فرحاً مبتهجاً بسقوط عاصمته وظهر وهو يضرب بحذائه صورة ورقية للرئيس صدام حسين، وقد احتفظ منذ ذلك اليوم الأسود بحذائه لعلمه أن هناك من سيقترح وضع هذا الحذاء في متحف العراق الحديث. ألا يدل هذا التصرف من بدايته إلى نهايته أن عقل هذا الرجل وحذاءه لا فرق بينهما، وربما رجحت كفة الحذاء، وأن عقول الذين فكروا بوضع الحذاء في المتحف هي أحذية أيضاً؟. ألا يستحي هذا الرجل وأصحابه من بعده ومن قبله عندما يستعرضون أدوارهم البطولية في إسقاط الديكتاتورية ويتضح الأمر أن أهم دور قام به أحدهم يختصر بأنه قام بضرب صورة ورقية ملقاة في الشارع بحذائه؟!. إن كان هذا الحذاء أو صاحبه يستحق أن يوضع في متحف بناءً على هذا الدور فهي المصيبة عينها ومنتهى السذاجة والحماقة؟. يحدث هذا عندما تكون العقول أحذية، وحينها تستبدل مقتنيات المتاحف التي تحكي حضارة وتاريخ الشعوب بأحذية العملاء.. وهذا ما حدث فعلاً في العراق، وقد صارت متاحفه خالية بعدما نهبت على أيدي الغزاة وأيدي صاحب الحذاء وأمثاله الذين جاءوا مع الغزو وبعده مباشرة ولم يجدوا غير أحذيتهم ليضعوها في المتاحف إمعاناًَ منهم في احتقار وتحقير تاريخ العراق وحضارته. لم يجد هؤلاء من شيء سوى أحذيتهم المتآكلة البالية ليضعوها في المتاحف تخليداً لقبحهم وخطاياهم، ولا غرابة فكل إناء بما فيه ينضح!!. لكن هذا لن يستمر طويلاً ولسوف يذهب هؤلاء وأحذيتهم إلى حيث ترمى الأحذية؛ لأن الشعب العراقي لن يقبل بهذا النوع من الإساءة لتاريخه.. وسوف يعود هؤلاء من حيث أتوا هم ومن جاءوا بهم إلى العراق. وغالب الظن أنهم سيرحلون حفاة ليس لأن أحذيتهم ستبقى في المتاحف، ولكن لن تسعفهم الظروف في ارتدائها والهروب بها، ولهذا فإن القبح لا يصنع مجداً لصاحبه، وإن حاول هؤلاء صناعة تاريخهم بأحذيتهم فهو اعتراف بأنه تاريخ وضيع وتحت الأقدام وهكذا أرادوا لأنفسهم..!!