الماء يحتاج إليه كل شيء، ولايستغني عنه شيء.. إذا اختفى من المنازل تحولت إلى خرائب، وإذا اختفى من القصور تحولت إلى هياكل،وإذا لم نجده في بيوتنا ومؤسساتنا ومرافقنا العامة تحولت إلى جيف ورمم وإلى مأوى للحشرات والهوام والبكتيريا وكل أنواع الكائنات الدنيا والعليا. الماء هو ذلك الشيء الذي أحيا الله منه وبه كل شيء.. يحتاج إليه كل شيء ولا يستغني عنه شيء.. إن جفت منه الأرض، تحولت إلى أرض بور نفقت بهائمها ومات زرعها، وهجر الناس الأرض والديار وإن جفت منه العيون عميت، أو جفت منه الأفواه،انخرست الألسن،الماء هو ذلك الشيء إن امتنع نزوله من السماء،تتجهم لغيابه الأرض ويشتد عبوسها وقسوتها.. كما تتجهم الأخلاق وتعبس الوجوه وتضيق الصدور، وتنكدر الخواطر، ويعم الخوف، ويشتد الكرب وتزداد محنة الشعوب، ويعلو سماتها الشحوب، ويسيطر الوجل على النفوس،وترتجف القلوب فزعاً وفرقاً وتوجساً.... فما يكون من الأمم إلاَّ أن تشحذ الهمم وتستدعي عقولها للعمل الجاد، وتستنفر كل طاقاتها الابداعية القصوى للعمل المبدع والمبتكر تتنادى الأمم بأعلى صوتها؛ أن حي على العمل الجاد المبدع، أن حي على نبذ الخمول والترهل واللامبالاة والكسل.. فتتحرك الجامعات الساكنة والعقول الخاملة، ودور البحوث النائمة والمدارس التي اضطرها الخمول والنعاس أن تغلق حماماتها أمام الطلبة والطالبات والمدرسين والمدرسات بحجة أن لهؤلاء الناس أمعاء تتحرك وكلى لها إدرار.. فبالله عليكم إذا وجدتم درسة لا تستطيع قيادتها التربوية أن تحل مشكلة طالب أو طالبة في أن يجدا دورة مياه واحدة نظيفة، هل يؤمل من قيادة مدرسية كهذه أن تشارك في إيجاد حلول للمياه على مستوى المدينة أو القرية أو الحارة ألا تشكل مثل هذه على مستوى الكرة الأرضية..؟! وكأنني أسمع رؤساء الجامعات وهم يتنادون:أن هلموا أيها النائمون أن هلموا أيها القائلون!! أن هلموا أيها المبدعون: ماذا أعد كل فريق من بحث ودراسة وأفكار لمواجهة الخطر القادم:خطر الجفاف أو خطر نضوب الماء من الآبار والعيون وماذا أعد كل فريق من حلول وتصورات لمواجهة حاجات الناس للماء في الأيام القادمة؟! كنت أتمنى لو أعمل يوماً واحداً مستشاراً لوزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي،بدون أثر مالي بالطبع، فأنا معتاد على ذلك،فمن يعاشر وزارة الصحة وقتاً كافياً كما فعلت، يألف تحمل القسوة والشدة وكل أنواع اللامبالاة من كل الذين يأتون من بعده،هذه سجايا متوارثة لا تستطيع الصحة أن تتخلى عنها كنت سأشير على الأخ وزير الخارجية أن يكتفي بربع العدد من السفراء اليمنيين وربع العدد من الملحقين الثقافيين،وسحب ماعداهم من ملحقين.. فماذا تستفيد اليمن من السفراء الذين لايفعلون شيئاً سوى السهر ليلاً والنوم نهاراً، وحضور الحفلات وتوزيع الابتسامات البلهاء في حفلات الرقص والمناسبات القومية والوطنية والانجيلية والتوراتية.. كنت سأقترح على الأخ الوزير ألا يبقى سفيرا في أي بلد من بلدان العالم إلاَّ إذا استطاع هذا السفير أن يثري تجارب اليمن بتجارب الشعوب الأخرى في كل المجالات خصوصاً مجال المياه.. هناك وسائل متنوعة ومتعددة تمارسها الشعوب في التعامل مع الماء.. كيف تستخدم الشعوب أفضل الوسائل للاستفادة من الأمطار،للاستفادة من الحواجز المائية،للحد من حفر الآبار، للاستفادة من مياه العيون والمصارف والسواقي.. وإذا لم يضطلع السفراء بكل المهام التي من شأنها أن تخفف عن بلادهم أعباء المشاكل المتراكمة عبر السنين من خلال تواصلهم واندماجهم مع المجتمعات الراقية والنامية والنائمة، بحيث يتمكنون من خلال هذا التواصل الواعي والمستمر أن يتعرفوا على الكيفية التي تعالج بها هذه الشعوب المتدرجة في الرقي،بحيث يوافوننا بالتجارب الناجحة لهذه الأمم في مجال الزراعة، في مجال الري، في مجال مياه الشرب، في مجال الصرف الصحي وفي مجالات أخرى كثيرة ومتعددة، مستفيدين من بقائهم فترة طويلة وسط هذه المجتمعات، لو تحرك هؤلاء السفراء والملحقون في هذه الاتجاهات لتحرك الماء الآسن وصار جارياً، لكن المشكلة تكمن في أن الماء الآسن لايجد من يحركه، فكيف تتحرك الصخور والأعمدة ، وكيف يمكن للعقول الصلبة التي ألفت الجمود والسكون أن تتحرك قيد أنملة.. فالماء إذن هو ذلك الشيء الذي يستطيع أن يدير العقول، نحو الشعور بالخوف، فتبدع العقول، لكي تجد الحلول والماء هو ذلك الشيء الذي إن زاد على الطحين أعدمه عافيته،أو زاد على الطين زاده «بلة»،لذلك فقد تعلم الإنسان أن يستفيد من الماء بقدر ويوظفه بقدر ولايعبث أو يسرف به، حتى وإن كان على شاطئ البحر أو شاطئ النيل ولا دجلة ولا الفرات فواحسرتاه على أمة لاعندها النيل ولا دجلة ولا الفرات،ومع ذلك فهي تسرف أشد الاسراف في تبديد الماء من أجل مزروعات مضرة بالصحة العقلية والنفسية والبدنية.. مزروعات لاتصلح علفاً للبهائم ولاقوتاً للآدميين،، كم صرخ الصارخون ومازالوا يصرخون لايقاظ النائمين من غفلتهم،ليواجهوا خطراً محدقاً على وشك أن يضرب ضربته ولكن لا حياة لمن تنادي.. فقد بح صوت «النذير العُريَان» بينما هناك من يصرخ في الاتجاه المعاكس،صراخ المجانين يزعمون أن لاضرورة لصحوة أو استيقاظ أو إعادة نظر فيما نحن عليه من حال.!!! وإذا لم نملك «الأساطيل» فلدينا الكثير من «المساطيل».