يكمن المغزى الكبير لولادة جلال الدين الرومي في عام 1207م في ترافق هذا التاريخ مع بداية الاجتياحات المغولية للعالم الاسلامي، بما يعني بداية تصدع الدولة الكبرى، بمقابل الاكتناز المعرفي والحضاري الكبير الذي أوصل تلك الامبراطورية مترامية الأطراف إلى أن تستكين للاسترخاء المقرون بشكل من أشكال الأبيقورية الحياتية المُقطّرة، وهي سمة شملت كامل الفئات الارستقراطية العربية الاسلامية التي بدأت تنحل بنتيجة استغراقها في الملذات والدعة، ومن المصادفات الموحية أن تلك الفترة بالذات كانت تمثل ذروة الظلام والتغوُّل الاقطاعي البابوي في أوروبا، لكن اوروبا التي تفاعلت نخبوياً مع الأندلس وصقلية العربية، وكامل الديار الاسلامية المغربية كانت قد بدأت لتوها تنفض عن نفسها أوزار القرون الوسطى، وتنطلق في مشروعها المعرفي، ابتداءً من تصحيح التعليم الكنسي البابوي، وحتى التواشج الواسع مع الثقافة الاسلامية المغطاة باللغة العربية . ولد جلال الدين في تلك الفترة بالذات وفي مدينة ميلاده الافغانية الفارسية " بلخ " بدأت سيرته الوجودية والابداعية، وتوازت تلك السيرة استطراداً على الزمان والمكان الفيزيائيين، فالرائي جلال الدين تجول في العالم الاسلامي وصولاً إلى تركيا حيث أقام هناك، وفي ذات الوقت كانت له صلات بالحراك الزمني الدراماتيكي الذي ميّز ذلك العصر، وكانت علاقته بوالده " بهاء الدين" تحمل صفة العلاقة بين عالم وعالم، ثم انعطفت تلك الصلة مع صديق والده الاستثناء " برهان الدين البلخي" الذي تعهد جلال الدين تعليماً وتثقيفاً وهو في الرابعة والعشرين من عمره، حيث استمرت صلة التلميذ بأستاذه تسع سنوات بالتمام والكمال.