تتبنى السعودية ومصر سياسات هادئة ومنفتحة ومرنة تركز على بناء علاقات إيجابية مع العالم الخارجي بما يخدم مصالح دولتيهما، والدولتان تعملان بهدوء من أجل بناء نظام عربي يسوده السلام والاستقرار المؤسس على المصالح الاقتصادية وتشجيع الدول على بناء تنميتها الداخلية، والنخب في هذه الدول تتبنى الإسلام المتسامح المنفتح على الآخر، والدولتان في وضع مواجهة مع الأطروحات المتطرفة التي تحاول إدخال العرب في صراع دائم مع العالم. وفي المقابل تعتقد القوى المتطرفة في بنية الثورة الإيرانية المسيطرة على الحكم في الراهن ان الصراع مع الغرب، وتوسيع نفوذ الدولة الإيرانية في المنطقة العربية هما المدخل الأساسي لحماية الثورة والنخبة الدينية المسيطرة على النظام، وترى تلك القوى أن توسيع أنشطة الدولة الخارجية الفكرية والثقافية ومواجهة الأعداء يقوي من الثورة ونظامها ويخلق تماسكاً داخلياً يحمي النظام من الانفجار الداخلي نتيجة الأزمات البنيوية التي تعانيها إيران في الدولة والمجتمع. وهذه النخبة المهيمنة على النظام ترى ان محاصرة وإضعاف السعودية والتي تشكل قوة كبرى في المنطقة العربية وهي الدولة التي يمكنها الحدّ من التمدد الإيراني، كما ان النخب المتطرفة ترى ان السعودية هي مصدر للعقيدة السنية الأكثر تشددا ضد المذهب الاثنى عشري والثورة الخمينية، وإضعاف السعودية ومحاصرتها في الجزيرة العربية والخليج يمثل المقدمة الضرورية لعزل مصر ومحاصرة دورها المحوري في المنظومة العربية. فطبيعة الصراع في المنطقة العربية أثبت أن الدولة السعودية كلما كانت قوية ومرتبطة بمحيطها العربي قلت فرص النفوذ الإيراني وفي المقابل يساعد مصر على لعب دور محوري وأكثر فاعلية. ولتحقيق الأهداف الإيرانية فإن النظام يعمل وفق خطط مرسومة على تدمير صورة مصر والسعودية والعمل على عزل الدول العربية عن الدولتين وبناء تحالفات مع الدول والهدف زعزعة قوة مصر والسعودية. فالإعلام الإيراني والقوى المتعاطفة مع محورها أو الساذجة غير المدركة لطبيعة الصراع تعمل على إعادة صياغة الوعي بحيث تصبح مصر والسعودية تابعتين للمنظومة الغربية وحليفاً لإسرائيل ومضادة للمقاومة ومناهضة لمصالح الأمة العربية وفي المقابل يتم الإعلاء من دور إيران كمنقذ للأمة. وقد استطاعت إيران تحقيق اختراقات كثيرة في منظومة الأمن القومي العربي ويمكن قياس ذلك من خلال تتبع وجودها وتأثيرها وتحالفاتها في المنطقة العربية فالنفوذ الإيراني في العراق أصبح هو الأقوى وتحولت دولة عربية كانت هي مرتكز مواجهة النفوذ الإيراني للدفاع عن المصالح العربية إلى بوابة لاختراق الأمن القومي العربي، وهذا جعل الكويت في مرمى إيران فأي تغيرات دولية قد يجعل من الكويت تابعة للبصرة، والمتابع للعلاقات الإيرانيةالكويتية لابد أن يلاحظ أن الكويت تحاول ان تكون محايدة في صراع إيران المحموم من أجل الهيمنة فإيران وبذكاء شديد تعمل على تخويف الكويت وتعمل جاهدة على عزلها عن السعودية والمنظومة العربية، إلا أن الكويت تقاوم بشدة الضغوط الإيرانية. ومن جهة أخرى تعمل إيران على إضعاف مجلس التعاون الخليجي وتحاول عزل قطر عن النظام الرسمي العربي مستغلة ان قطر بلد التناقضات السياسية وبلد الجمع بين الماء والنار ورغم أن فيها اكبر قاعدة عسكرية خارج الأراضي الأمريكية وهي الدولة العربية القريبة من إسرائيل ولكنها تجرجر نفسها نحو المحور الإيراني ويفسر البعض هذه التناقضات غير المنطقية ان قطر هي المحور المركزي لحركة الإخوان المسلمين العالمية فلعبة التناقضات هذه تسمح لها بأداء هذا الدور دون ان يلحقها أي شك. أما البحرين الدولة الخليجية الأكثر قربا من السعودية فإن القوى المتطرفة في إيران تعتقد ان التواجد الشيعي الكثيف والخلايا الشيعية النائمة التابعة لولاية الفقيه في هذه الدولة سيجعل الأسرة الحاكمة غير قادرة على المقاومة في أي صراع قادم. أما الإمارات التي تحتل إيران جزرها فإن التبادل التجاري بين دبيوإيران تجاوز ال 11 ملياراً ووجود أكثر من نصف مليون إيراني في دبي وسيطرتهم على جزء من التجارة وتواجدهم في مواقع استراتيجية في الإمارة منح إيران تأثيراً قوياً على الإمارات العربية ورغم ان دبي تمثل الرئة التي تتنفس منها إيران إلا ان الدهاء الإيراني جعل الإمارة تتجه بقوة نحو طهران. وفي اليمن تسعي إيران جادة من أجل محاصرة السعودية ومصر من الجنوب بدعمها للحركة الحوثية الشيعية المتأثرة بالثورة الإيرانية، وتسعى من أجل عزل اليمن عن الخليج وتقاوم بدهائها الفارسي انضمام اليمن الى مجلس دول التعاون الخليجي لانها تدرك ان انضمام اليمن سيغير المعادلة الامنية ويحدث توازن يخدم منظومة الامن العربي ويحد من الطموحات الايرانية. ومن ناحية استراتيجية فإن بناء قوة شيعية تابعة لإيران في اليمن يجعلها مؤثرة على الحكم وهذا كفيل بإلحاق اليمن في المحور الإيراني وهذا بطبيعة الحال تهديد للسعودية في العمق ومحاصرة للمصالح المصرية في البحر الأحمر. ويمثل التدخل الإيراني في بلاد الشام من أكثر المخاطر تهديداً للأمن العربي فهيمنة إيران، وتحويلها إلى بوابة لزرع العداء بين سوريا والسعودية والعمل على عزل سوريا عن مصر وعن العرب. وفي فلسطين أصبحت حركات المقاومة رغم ان السعودية ومصر من أكثر الدول دعماً لها عبر تاريخ الصراع مع دولة إسرائيل المغتصبة للأراضي العربية إلا إن إيران في الفترة الماضية عملت على عزل المقاومة الإسلامية الفلسطينية عن عمقها الحقيقي في مصر والسعودية. ووصل التمدد الإيراني إلى إفريقيا فالنظام الثوري يعمل على بناء تحالف قوي مع السودان خاصرة مصر الجنوبية وُيقال ان إيران تحاول بناء قواعد عسكرية شرق السودان قريبة من البحر الأحمر بحيث تكون قادرة على الوصول إلى جدة. وما يساعد إيران على تحقيق استراتيجيتها انها استطاعت ان تبني تنظيمات سرية وعلانية على امتداد الخليج وبلاد الشام والعراق تابعة لولاية الفقيه وهذه التنظيمات هي أدواتها في فرض إرادتها على المنطقة وهذه التنظيمات مدعومة ببعض التيارات السياسية الإسلامية والقومية فاغلب التيارات القومية التقليدية المؤدلجة ترى في إيران قوة ردع لإسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية وباستثناء حزب البعث العراقي الذي ذاق وبال إيران فإن أغلب التيارات الأخرى متأثرة بالدعاية الإيرانية وتحلم بأن يمحو الرئيس نجاد إسرائيل من الخارطة. أما الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية فإيران ترى في تنظيمهم وفكره السياسي رديفاً داعماً لتواجدها في المنطقة، والمتابع سيجد أن الإخوان وإيران في حالة انسجام في السياسة والاجتماع والثقافة والحركة متحالفة مع إيران في المناطق العربية التي لإيران فيها تواجد فاعل. وحتى لا يظن أحد أننا متحاملون على إيران فإن سلوكها العدائي لم يغضب مصر فقط والتي صرحت ان أحداث لبنان الأخيرة تدخل إيراني في الشؤون اللبنانية بل أغضب مثقفاً وسياسياً كبيراً حكم إيران عشر سنوات حيث أكد الرئيس خاتمي في خطبة له أمام طلبة إيرانيين أن تصدير «ثقافة العنف» إلى الخارج يضر بالمصالح الإيرانية ويهدد أمنها ومناقض لفلسفة الإمام الخميني وتساءل ناقداً أسلوب القوى المتطرفة في تصدير الثورة «هل نحمل السلاح ونتسبب في تفجيرات في بلدان أخرى؟ هل نشكل مجموعات للقيام بعمليات تخريب في بلدان أخرى؟»، وأكد ان هناك من يشوه فكر الثورة بتركيزه على ثقافة العنف وتجاوز التنمية وتحقيق الرفاهية للجميع وهذه التصريحات قادمة من شخصية قيادية لديها معلومات كاملة عن سياسات الدولة لدعم القوى الإسلامية الشيعية وخططها لتفجير المنطقة وقد واجهت القوى المتطرفة الحاكمة لإيران هذا الطرح انطلاقاً من خطابها الممل واعتبرت الرئيس خاتمي يضر بسمعة إيران وأنه منساق خلف الدعاية التي يقودها الاستكبار العالمي ضد الجمهورية !!!