إن التغيير الجاد في منظومة القيم الاجتماعية لا يحتاج أبداً إلى العنف والهتافات ورفع الشعارات والتكبير، وإنما يستلزم منا استحضار عوامل وقواعد وأسس تربية الإنسان، وكيفية غرس الإيمان القوي في وجدانه وأخلاقه وعواطفه وسلوكه.. إن مواجهة أية ظواهر اجتماعية كانت لا تكون بالصميل والتكفير والزج بمجاميع لا تعرف من الدين غير اللحية وتقصير الثوب لمعالجتها، ووقاية المجتمع منها، لأن هؤلاء لا يجيدون إلا صناعة المنكر الذي يدمر النسيج الاجتماعي، ويؤمنون بالتعبئة لا بالتربية؛ لأنهم لم يتربوا في الأصل على القيم الإسلامية السمحة، والحوار الوسطي الإسلامي، وثقافة البناء الروحي، بل تدربوا على نوع خاص من النيابة والوكالة، واعتقدوا أنهم ينوبون عن الله سبحانه وتعالى في مراقبة ومحاسبة خلقه. ثقافة التغيير بالعنف دليل واضح عن فساد التربية التي تلقوها في الغرف المغلقة، وتبشر بأن تزايد هذه الظاهرة سيلحق بالمجتمع اليمني من الكوارث والمصائب مالا تُحمد عقباه. فمن أعطى هؤلاء الحق في أن يقوموا بعملية التغيير بهذه الصورة التي حدثت في مدينة عدن، والتي تنم عن حقد دفين تجاه المجتمع اليمني، وتربية وثقافة سوداوية وشريرة لا تمت إلى ديننا وقرآننا وسنة نبينا بصلة؟!. إن الغرف المغلقة والفتاوى المستنسخة والمصدّرة إلينا، ومراكز وجمعيات التعبئة السوداوية تجاه المجتمع اليمني لا تخدم الدين ولا تنمّي المجتمع أو تشبع جياعه وتعالج مرضاه، لأنها جاءت في الأول والأخير للتخريب والدمار، وليس للبناء والإعمار. إنها جريمة دينية وإنسانية وحضارية تُرتكب ضد اليمن الديمقراطي الجديد، مثلما هي جريمة في حق الإسلام عقيدة وشريعة. إن الدولة ممثلة بأجهزة الأمن المختلفة ملزمة بإيقاف هذه الظواهر العدوانية التي تستبيح حق المجتمع وتبيح لنفسها القيام بمهمة الأمن والمراقبة والمحاسبة معاً، ومهمة القضاء في إصدار الأحكام وتنفيذها ضد الناس، وهذا مالا يجب السكوت عليه؛ لأنه لو تركت الأمور مباحة لهؤلاء، فماذا بقي للنظام والقانون، ولو استباح هؤلاء حقوق الناس وحرياتهم، فماذا بقي للدستور والدولة؟!. القيم المعطلة في مجتمعنا لا يصلحها هؤلاء، لأنهم في الحقيقة بحاجة إلى إصلاح وتربية قيمية من جديد، والتغيير المنشود لا يصنعه هؤلاء، لأن التغيير يصنعه رجال ونساء يؤمنون بقدسية الحقوق والحريات العامة، مثلما يؤمنون بقدسية القرآن والسنة؛ يبدأون بأنفسهم قبل غيرهم، ويشكلون من ضمائرهم وعقولهم وسلوكياتهم برامج التغيير والإصلاح الاجتماعي. إن تربية الإنسان من أجل التغيير تفتقر لقيم الجمال والمحبة والألفة، وتتجاهل وللأسف أثر ذلك في تنمية الإنسان وإعداده للمجتمع الجديد، وليس للرجوع به إلى قرون سالفة وثقافة جامدة لا تخدم إلا الظلم والاستبداد وسلطة الفرد وهمجية التغيير، ولا تورث للإنسان إلا الحقد والكراهية والتقاتل والتناحر. قيمة الحوار والتربية عليه وعلى احترام الرأي الآخر أصيل في ديننا وتراثنا الفكري وأبعادنا الثقافية والحضارية، فلماذا نستنسخ أفكاراً وسلوكيات وفتاوى قاصرة لا تنم عن نضج حضاري ولا وعي ومعرفة دينية متوازية مع العصر؟!. فإذا كانت قد أثبتت قواها التدميرية في صعدة؛ فإنها ستتمدد إلى كل قرية يمنية مع هذا الطوفان القادم.