بكثير من الاستياء، والغضب، والانفعال، وحتى السخرية، قوبلت فكرة إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبدت ردود الأفعال كما لو أن أحداً مسّ شيئاً مقدساً.. فهل كانت الفكرة سيئة لهذا الحد؟ لقد لفت انتباهي ذلك الحماس الذي تحدث به السيد (ديمتروف) مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي يوم الجمعة في منتدى الشهيد جار الله عمر، وكيف رسم صورة (طالبانية، أفغانية) للهيئة المقترحة، ثم كيف استنفر المشاركين للوقوف بوجه هذا المشروع..! ولأن الحضور غالبيتهم العظمى من الاشتراكيين، فقد أوجد السيد «ديمتروف» سبباً «ذكياً» لاستفزازهم ضد الهيئة، وهو بأن ربطها بالنظام، وادعى أنها محاولة من السلطة لتشتيت (النضال السلمي الجنوبي). في تلك الأثناء خيل لي أن هذا الأمريكي المتحدث بالعربية بطلاقة هو أمين عام حزب سياسي يمني، وربما وقع على حزبه ظلم يفوق ماطال غيره لذلك هو أشدهم حماساً!! إلاّ أنني كنت مستوعباً تماماً لما يحدث وسبق أن كتبت كثيراً عن المعهد الأمريكي منذ عهد السيدة «روبن مدريد»، ومنذ قرار صاحب الجلالة ملك البحرين بطرد المعهد من أراضي البحرين بناء على قائمة اتهامات طويلة عريضة، تصدرتها تهمة السعي لتمزيق الوحدة الوطنية للشعب البحريني بإذكاء الفتن المذهبية والعرقية والفئوية. وبعيداً عن الدور الأمريكي، فإننا نجد في بعض الكتابات التي تناولت موضوع هيئة الأمر بالمعروف قلقاً مبرراً، إذ إنهم يخشون الوقوع في «المغالاة»، وتأويل بعض الممارسات المتاحة تحت مظلة الديمقراطية على أنها «انتهاكات دينية».. كما ذهب البعض إلى القلق من الاحتكاك المذهبي على خلفية التباين في الحكم على بعض الممارسات .. وأعتقد أن الأقلام التي ذهبت إلى ذلك القلق كانت محقة خاصة في ظل الانحراف الذي تعيشه بعض الجماعات الإسلامية «المتشددة» في العالم، وتشويهها للمؤسسة الإسلامية! ولكن على صعيد آخر نجد أن المشائخ الداعين لإنشاء هيئة الأمر بالمعروف لديهم أيضاً أسبابهم المنطقية لإيجاد مثل هذا الكيان، فالمجتمع يشهد انحرافات غير مسبوقة، وفوضى العمل المدني أصبحت تشرع لانحرافات خطيرة، كما هو حالها في حماية المجرمين، والدفاع عن دعاة تمزيق الوطن، وتشريع أعمال التخريب التي تطول بعض المناطق، بل حتى التحريض على القتل!! كما أن الغرباء عن الوطن، والدين ممن يدخلون اليمن بصفات دبلوماسية أو كمنظمات حقوقية أمسوا مصدراً للعبث وتأجيج الفتن دون أي رادع يوقف دعواتهم المناهضة للقيم الإسلامية، ولا غرابة في أن تقوم إحدى الجهات الدانماركية بتمويل منظمات وناشطين يمنيين يتبنون المطالبة بإلغاء كل القوانين المفروضة على إنشاء المنظمات وعلى أداء الإعلام، رغم أن الدستور اليمني مصدره (الوحيد) في التشريع هو الإسلام ورغم أن إلغاء كل القوانين يعني الإباحة للصحف حق مساس العقيدة الإسلامية، وحق الدعوة إلى غير الإسلام!. والأمر غير قاصر على ما تعيشه الحياة الديمقراطية، بل إن المسائل الأخلاقية لم تعد خافية على أحد في نفس الوقت الذي تقهقرت فيه المؤسسات الدينية على نحو كبير، وانشغلت في غير وظائفها الأساسية التي وجد منبر المسجد لأجلها. وأمام هذه الأخطاء القائمة نجد أنفسنا بحاجة إلى قوة رادعة تعيد المجتمع إلى صوابه، وتكبح الحريات المطلقة عند الحدود التي لاتتجاوز فيها حريات الآخرين، ومصالح الجماعة، وقيمهم وعقائدهم.. ولكن بغير تطرف ومغالاة.. وأعتقد أنه مهما عارض البعض مثل هذا المشروع، فإن واقع المجتمع المدني الذي أباح حتى إنشاء جمعيات تدعو للانفصال، واستقدام الأجنبي لن يجرؤ إطلاقاً على الوقوف بوجه منظمة تأمر بالمعروف مهما دارت الشكوك حولها، ومهما طلب «ديمتروف» من أموال إضافية من واشنطن لتمويل حملة مضادة!!