من خلال تجاربه الحروفية اللونية الجيدة يريد الفنان طلال النجار أن يقول لنا ما قاله النفري: “وقال لي قعْ في الظُلمة، فوقعتُ في الظُلمة، فأبصرتُ نفسي!!”. لكنه يُعيد إلى الأذهان أيضاً ما قاله الإمام الغزالي الذي اعتبر كتابة الحروف “الرقوم” في مرحلة الطفولة الدراسية مُقدمة جوهرية لاستجلاء المعاني التالية لتلك الحروف التي تبدو مُلغزة للطفل قبل أن يعرف معناها، ثم يأتي الحفظ كتميمة سحرية للإشراق التفسيري اللاحق، وإذا ما عرف الدارس بعضاً من تفسير الآيات يقع في حيرة اللا معرفة حتى يسأل الله أن يفتح عليه فتحاً، ولعله بهذا يستشرف ما كان يجهله من قبل. هنا نستطيع افتراض تأويل بصري لما أراده الفنان من إمعان في استخدام المداد الأسود للطفولة الأُولى، وكأن ذلك المداد يُمثل مفتاح الشفرة للضياء القادم من أعماق اللوحة مما يمكن مشاهدته في بعض أعمال الفنان. لا المداد ولا الألوان في وارد استيعاب الأبعاد اللا متناهية لكلمات الحق، قال الله تعالى: (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا). والحال فإن الفنان الذي يتنكّب مشقة التعبير عطفاً على النص لابد أن يسير في درب الترحال المُضني، تماماً كطيور “فريد الدين العطار” التي انطلقت من اللا بداية لتذهب إلى اللا نهاية، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من وصل مع الواصلين. التجربة الجديدة المُتجددة للنجّار تشي بانغماس في “ميتافورا” الألوان والكتل والحجوم، بل مع الحرف بوصفه حامل طاقة وروح ومعنى، ثم إنها إلى هذا وذاك مُحايثة مفاهيمية إبداعية لمتاهة الدرب الطويل الذي لن نصل إلى تخوم تخومه إلا بعد أن نستحيل إلى فراشة من فراشات “الحلاج” الدائرة حول نقطة الضياء انخطافاً وعشقاً، والذائبة فيه فناءً يفتح عتبة الانتقال إلى برازخ وحيوات جديدة.