قبل اسبوع التقيت رئيس إحدى الجامعات اليمنية، وإذا به يشكو من فساد جامعته من مدرسين وطلاب وإداريين.. أصدقكم القول إن هذا الرئيس صدمني، بل أثار فزعي، فإذا كان هذا المسؤول هو المعنى بتكوين طلاب أصحاء نفسياً ومواطنين مسئولين، وزوجات وأمهات صالحات، وأزواج ناجحين، فكيف به يشكو من الفساد؟!.. إن مثل هذا المسؤول إما أن تعيينه كان خطأً وأنه غير جدير بالمسئولية، أو أنه فاسد من رأسه إلى أخمص قدميه!. لقد مضى على تعيينه أكثر من أربع سنوات، ثم به يشكو اليوم من الفساد، هل لأنه يعلم أن هناك تعيينات جديدة، وبالتالي يخشى أن يطاله التغيير فبدأ حديثه عن الفساد من الآن؟!. ربما.. لكن الأدهى من ذلك هو لماذا لا يُحاسب كل مسؤول تولى مسؤولية معينة حتى يعرف الشعب من أصاب ومن أخطأ، ألا يوجد لدى هذا المسؤول عن هذه الجامعة سياسة تعليمية ولوائح وأنظمة تحدد كيفية العمل ومحاسبة المقصّرين؟!. أوليس هناك برنامج انتخابي منح رئيس الجمهورية بموجبه ثقة الشعب، وهذا البرنامج يقدم رؤية للتعليم العام والجامعي؟ لهفي على وطن يديره أمثال هذا الرئيس. إن مثل هذا الدكتور يساعد المعارضة على العزف على وتر الفساد، إن هذا الدكتور وأمثاله يشكلون جماعات طفيلية تستفيد من عدم المساءلة وتحقق ثروات خيالية، ليتحمل المؤتمر الشعبي العام مسؤولية هؤلاء الفاسدين. قد يبدو للبعض وهم يقرأون هذا المقال وهم جالسون في استرخاء أن ذلك أمر هين، لكن الأمر ليس كذلك، فقد تحمل الوطن أربع سنوات، وأنفقت ملايين الدولارات، وأثناء ذلك كانت الخطابات عن إنجازات الجامعة، حتى كان يخيل لمن يسمع تلك الخطابات أنه أمام جامعة اكسفورد لما تحققت من إنجازات على الورق. أما اليوم وعلى رأي الدكتور الرئيس فقد أصبحت فاسدة!، من أفسدها، أما كان الأجدى به أن يقدم استقالته خلال هذه الفترة إذا كان عاجزاً عن تنفيذ اللوائح والأنظمة؟! وبما أنه لم يفعل، أليس من الحكمة أن يستعد لحمل خيمته والرحيل في صمت إلى فلّة التقاعد التي بناها أو شقته التي اشتراها وأن يتركنا نحمل بعض الآمال لمستقبلنا؟!. بالمناسبة هذا الدكتور من أشد المدافعين على التعاقد مع أجانب، وهو يكره اليمنيين ويحاربهم بكل ما أوتي من قوة!!. نحن نتكلم عن مسؤول عن جامعة، يعني نتحدث عن عقل الأمة، فعندما يصاب هذا العقل بالعطب، فماذا ننتظر؟ إن الجامعة تحمل معنى يتجاوز الجوانب المادية وتوقيع الشيكات بوصفها مكاناً تلتقي فيه العقول لتنشغل دوماً وبحرية في بحث الأفكار، وفي الدفاع عن مواقف فكرية معينة، وتتصدى للقضايا الكبرى بالنقاش محاولة سبر أغوارها، وفيها يفتح المرء عقله ويعبّر عما بداخله. المطلوب إذن، ليس رئيساً للجامعة يوقع شيكات ويثرى من ميزانيتها ويحفر أنفاقاً وكهوفاً تعشش فيها المخاوف المستترة والملاذات السرية، إننا نحتاج إلى توضيح مفاهيمنا حول دور الجامعة ووظيفتها ومحاولة الاتفاق حول مبرر وجودها أصلاً. إن دور الجامعة يتمثل في الأخذ بيد الطالب وفي أن تكشف وتضيف فضاءً وبعداً يهيئ الطالب للوقوف على أرضية صلبة. وظيفة الجامعة يا حضرة الدكتور ليست الشؤون المالية، بل تتولى تطوير الطالب ليكتشف الإمكانات الكامنة في داخله والتي يجهلها، وترشده وهو يحاول تثبيت قدميه في عالم أوسع. ليس مهمة رئيس الجامعة أن يجلس على مكتب ويتقاضى راتباً، ولكن فكرة رئيس الجامعة هي تحديداً شيء آخر غير الإدارات الأخرى، فالجامعة مكان يمنح حق البحث والاكتشاف، مكان آمن يتحصن المرء به ليجرب ويتبنى مختلف الأفكار، فماذا عملت من ذلك يا أيها الدكتور؟!. إنك للأسف وأمثالك قد أسقطتم المعرفة والإنجازات البشرية اعتباطاً بسبب انتفاء خاصية الكفاءة لديكم، لقد جعلتم الجامعة في بلادنا تتخلى عن دور الريادة، وأجبر نموها على التحرك القسري في اتجاه رغباتكم. واعتمدتم على الكادر الأجنبي، لأنكم تستطيعون العبث دون أن تكون هناك عيون يمنية تحمل على عاتقها أمانة المواجهة، إنكم لا تبحثون عن متخصصين؛ ولكنكم تبحثون عن سياسة سد الخانة. ولا شك أن الحساسية التي تعانونها تجاه الكوادر الوطنية تملي عليكم سد الأبواب في وجوههم، لأنكم لا تريدون كوادر قادرة على خدمة قضايا بلادها وأهدافها. لقد حوّلتم الطلاب في جامعاتكم إلى زبون يأتي للجامعة كما يأتي إلى سوق يشتري منه بعض المعلومات، ويسعى إلى التعليم كسعيه إلى سلعة جاهزة. لست أدري كيف يتم تعيين رئيس جامعة لا يفقه ما هو دور الجامعة، ولا يعي أن وجود الطالب داخل الجامعة هو من أجل أن يعيش تجربة تحرر يُعمل فيها عقله بصورة لا تجعله فقط قادراً على مواجهة حياته المهنية؛ بل يتجاوز ذلك إلى القدرة على التعامل مع المشكلات التي سيواجهها في عالم يموج باستقطابات خطيرة. الجامعة لا تسعى إلى تدريب طلابها على التوافق مع ذلك العالم، وإنما تعلمهم كيفية خلق عالم أفضل. إن مروجي الدعاية وملفقي التبريرات، أينما وجدوا، كلهم مروجو دعاية ومتحججون باستقامتهم، والواقع ينزع عنهم تلك الأقنعة، ويسعون باسم الله والوطن للتضليل على قصورهم ومساوئهم. لقد كنت أعتقد حين عُيّنت في الجامعة، ومازلت على إيماني هذا، أن على الجامعة أن تتيح لطلابها أقصى ما توصل إليه الإنجاز البشري وكل ما يمكن الإنسان القدرة على الحياة. وأقول أخيراً لهذا الدكتور الذي يرفض الأساتذة اليمنيين: إن هؤلاء هم الذين صعدت على أكتافهم، وهم الذين منحوك موقعاً لا تستحقه.