أبناؤنا ليسوا أول من يؤدي اختبارات وزارية، وليسوا أول من تشهد اختباراتهم حالات غش، لكنهم حتماً أول من يشن عليهم الإعلام حملة شرسة، أطاحت بكبريائهم، ونسفت حماسهم، وسحقت تفاؤلاتهم بلا هوادة! حتى عشية اليوم الأول من الامتحانات الوزارية لم تكن في اليمن وسيلة إعلامية تتحدث عن الامتحانات، أو تجرؤ حتى على نشر جدول الامتحانات.. لكنها اليوم لا شغل يشغلها غير تعقب حالات الغش في الامتحانات، و «فوضى الامتحانات» و «مخالفات لجان الامتحانات» و «تسريب أسئلة الامتحانات» و «محاضر الغش في الامتحانات». ولأول مرة في تاريخ اليمن والشرق الأوسط، وأوروبا والأمريكيتين، تنهمك الصحف التي تقدم خدمة «أخبار الموبايل» بتعقب احصائيات حالات الغش، والمخالفات، وبين الفينة والأخرى تبث رسالة لآخر إحصائية «الغشاشين» كما لو أنها تتابع نتائج انتخابات رئاسية!! ويالها من قصص «سخيفة» تلك التي سخرت بها وسائل إعلامنا من أبنائنا، وأظهرتهم بصورة «الحمقى» زوراً، الذين لا هم لهم غير متابعة المسلسلات المدبلجة! إعلامنا الذي حتى الساعة لم ينقل خبراً على لسان مسئول في التربية والتعليم، ونسب كل شيء إلى «مصادر مطلعة»، لم يكترث للتحري عن طبيعة الأسئلة، فيما إذا كانت صعبة أو مخالفة للصيغ الموضوعية، أو تتضمن أخطاءً.. ولم يكترث للتحري فيما إذا جلس أبناؤنا على كراسٍ أو افترشوا الأرض، وفيما إذا اختبروا تحت الشمس أو في الفصول.. ولم يسأل أحداً من الطلاب فيما إذا أمضوا العام الدراسي بلا مدرسين، أو بلا كتب، أو بلا كهرباء يدرسون تحت أنوارها.. بل كل ما همه هو ترويج أخبار الغش والغشاشين!!. وهنا أتساءل: ياترى هل كان المراد من هذه الحملة غرس الإحباط بنفوس أبنائنا، ودفعهم للعزوف عن المذاكرة تحت ذريعة أن الغش سيساوي بين المجتهد والكسول!؟ وهل أراد البعض إيصال رسالة مفادها أن التعليم فاشل في اليمن؟ أم أراد تأكيد أن هذا الجيل جيل فاشل «نجح بالغش» ولا يستحق الحرص على مستقبله!؟ في كل الأحوال، نحن كآباء، نعترف بأن هناك غشاً في الامتحانات الوزارية، ولتضع الصحف النسبة التي تعجبها حتى لو وصلت إلى مائة بالمائة، لكن على الإعلام بالمقابل الاعتراف بأن هذا الغش إن دل على شيء لا يدل على فشل أبنائنا، بل فشلنا نحن كآباء لم نحسن تربية أبنائنا على الأمانة، ولم نربيهم على الاجتهاد والإخلاص في العمل وانشغلنا بملذاتنا ومقايل التخزينة. على الإعلام أن يوجه أصابع الاتهام لمنابر المساجد والمؤسسات الدينية التي شغلتها المناكفات الحزبية والمصالح الخاصة، ولم تكترث لغرس الفضيلة في النفوس، ونشر قيم الإسلام الحقيقية بين أوساط المجتمع، ولم يعد يعنيها الحديث عن الأمانة والصدق مثلما أغراها الحديث عن شئون السياسة والسلطة والأحزاب. كما أن على الإعلام توجيه الاتهام إلى نفسه بعد أن تحولت منابره إلى جبهات حروب، وصراعات، وغمز ولمز ومناكفات حزبية وبخل على أبنائنا حتى بمقال يرفع روحهم المعنوية، ويحثهم على الاجتهاد، ويراهن عليهم.. ثم على الإعلام أن يتذكر «ملاحمه» التي خلد فيها إضرابات واعتصامات المعلمين، وحولهم إلى أبطال، مناضلين لأنهم تركوا الفصول وباتوا يداومون في الشوارع من غير اكتراث لحقوق أبنائنا في التعليم.. وهاهي نفس الأقلام تلعن الطلاب لأنهم يغشون ولا تسأل لماذا لا يمنعهم المعلمون؟ ولماذا يتفرجون؟ وإذا لم يعلموهم من قبل حرمة الغش فكيف كانوا يختبرونهم، وماذا كانوا يعملون في المدارس، وأين كان الإعلام عنهم طوال العام الدراسي ليأتي الآن يوزع رسائل موبايل بإحصائيات الغشاشين!؟ نتمنى، ونتوسل إلى كل منابرنا الإعلامية أن يكفوا عن إحباط أبنائنا، وأن يؤجلوا حملتهم حتى تنتهي الاختبارات ثم ليفضحوا كل شيء، وبأي طريقة شاءوا.. فارفعوا أقلامكم عن أبنائنا وأغرسوها بأعين كل الذين قصروا في تربيتهم وتأديبهم على الأمانة والصدق والاخلاص والاجتهاد من أجل المستقبل!