صحيح أنه بانهيار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات من القرن الماضي تنفس العالم الصعداء وأزاح عن كاهله شبح نشوب حرب نووية ظلت تتهدده طوال فترة الحرب الباردة جراء التوتر المستمر الذي ساد العلاقة بين أقطاب المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي والغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية . هذه العلاقة غير الحميمة ألقت بظلالها على دول العالم وأبقتها تحت تهديد حرب مدمرة تكون ساحتها العالم إذا ماتم اللجوء إلى القوة العسكرية في تسوية الخلافات السياسية بين قطبي الصراع العالمي ومع ذلك عاش العالم في ظل توازن دولي حد من هيمنة دولة على دولة أخرى وهو مالم يعد موجوداً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختلال ميزان القوى لصالح امريكا ومعسكرها الغربي..الأمر الذي أدى إلى بسط أمريكا لنفوذها على معظم الدول بمافيها دول الاتحاد السوفيتي السابق في سعي حثيث لتطويق روسيا وتضييق الخناق عليها بعقد الاتفاقيات والتحالفات العسكرية وتوسيع قاعدة حلف الناتو ليضم عدداً من دول الاتحاد السوفيتي السابق بالإضافة إلى نشر الصواريخ البالستية في عدد من دول أوروبا الشرقية..وهو الأمر الذي عارضته روسيا وبشدة واعتبرت ذلك تهديداً لأمنها وبمثابة إعلان الحرب عليها..هذا الاعتراض الروسي لم يمنع امريكا والاتحاد الأوروبي من الاستمرار في توطيد العلاقات مع عدد من الدول بمافيها جورجيا وتقديم الدعم المادي والعسكري لها ووضع الترتيبات لضمها إلى حلف الناتو وتحويلها إلى قاعدة عسكرية متقدمة للحلف على الحدود الروسية والاستمرار في تغذية الأزمة بين جورجياوروسيا التي زادت تفاقماً مع وصول الرئيس الجورجي غير المرغوب به من قبل موسكو والمدعوم من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي وفي خطوة غير مدروسة أقدمت جورجيا في السابع من أغسطس على شن هجوم على أوسيتيا الجنوبية ذات الغالبية الروسية وأدى الهجوم إلى مقتل آلاف المواطنين كما أفادت التقارير الروسية.. هذا الهجوم الجورجي على أوسيتيا الجنوبية اعطى القيادة الروسية ذريعة لشن حرب على جورجيا وبشكل عنيف وقوي فاق كل التوقعات وفاجأت ردة الفعل الروسية أمريكا والاتحاد الأوروبي لتجد جورجيا نفسها أمام حرب لاقبل لها بها في الوقت الذي اقتصر فيه الدعم الأوروبي والأمريكي لجورجيا على تقديم المساعدات الإنسانية ومطالبة روسيا بسحب قواتها من الأراضي الجورجية بعد أن وصلت إلى مشارف العاصمة لتعود الحرب الباردة ساخنة عبر تحرك امريكي أوروبي يقابل تحركاً روسياً ولم تكتف روسيا بما ألحقته من دمار في البنية الاقتصادية والعسكرية الجورجية بل ذهبت إلى الاعتراف باستقلال اقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المنفصلين عن جورجيا. الأزمة القوقازية هي مؤشر قوي لعودة الحرب الباردة مع إعلان روسيا استعدادها لقطع العلاقات نهائياً مع الاتحاد الأوروبي وامريكا وتصعيد الموقف إلى أي مدى يريدونه وهو مايمكن القول إن الثنائي الروسي «بوتين, مدفيديف» استطاعا إعادة روسيا إلى الساحة العالمية كقوة عظمى مرسلين بذلك رسالة قوية عبر جورجيا أن روسيا عادت إلى سابق عهدها كقوة عظمى يصعب تجاهلها وعلى امريكا وأوروبا التعامل معها وفقاً لهذا الواقع الذي يفرض نفسه واقعاً جديداً لمرحلة جديدة وعلى العالم أن يتعامل مع هذه المرحلة وحربها الباردة التي عادت ساخنة وساخنة جداً.