يقولون «التدبير نصف المعيشة» وكذلك «القرش الأبيض ينفع لليوم الأسود» ولليمن مثلها الخاص القائل «ضم ضلف الحمار لوما يقولّك الزمن هاته».. تلك هي ثقافة تكاد تنقرض في مجتمعاتنا ، فهل أصبح الجميع بمنأى عن «غدر الزمان» أم ثمة خلل في وعينا!؟ قبل عام ونصف تقريباً عقدت مجموعة مالية أوروبية اجتماعاً لرسم خارطة نشاطها المستقبلي ، ومن بين قراراتها التي خلصت إليها هو حث بنوكها على التوسع باتجاه اليمن.. وأورد تقريرها عدة مبررات لذلك من ضمنها أن اليمنيين يحتفظون بمدخرات من الذهب قدرتها بالأطنان ، وقالت إن جميعها غير مستثمرة ، وأن عليها ايجاد صيغ مناسبة تكسب بها ثقة اليمنيين وتشجعهم على تشغيل مدخراتهم المجمدة.. واعتبرت ذلك من ضمن استراتيجياتها للمرحلة القادمة ، معولة على ذلك في انعاش حراكها المالي. وقفت أمام ذلك التقرير مندهشاً ، ليس لأنه كشف عن مدخرات ذهبية تقدر بالأطنان ، بل لأن هناك أناساً في أوروبا يفكرون ، ويضعون الخطط والاستراتيجيات الطويلة الأمد للاستفادة من المدخرات الذهبية الموجودة بحوزة اليمنيين ، بينما اليمنيون أنفسهم لم يلتفتوا إلى أمرٍ كهذا رغم أهمية ماقد يعود به على الاقتصاد الوطني والمستوى المعيشي لأبناء المجتمع. قبل عامين تقريباً أقر البنك المركزي اليمني رفع رؤوس اموال البنوك العاملة في اليمن إلى ستة مليارات ، وهو اجراء جيد لإنعاش السوق الماليةاليمنية ، وحماية العمل المصرفي ، وتعزيز الثقة بالبنوك.. لكن هذا القرار لم يميز بين الاستثمار الوطني والاستثمار الخارجي ، ولم يضع آلية معينة لدعم البنوك والمصارف الوطنية وتعزيز قدرات منافستها للبنوك غير اليمنية التي معظمها يحتفظ بتاريخ مهني طويل ،وثقل مالي في الأسواق الخارجية.. وهو الأمر الذي قاد بعضها إلى البحث عن اندماج مع بنوك خليجية باتت اليوم في موقع الريادة ،وبوسعها التأثير في السياسة الماليةاليمنية إذا ماقررت الإقدام على مثل هذه الخطوة..! أما المسألة الثانية المهمة هي أن اليمن مازالت تفتقر إلى الوعي المجتمعي بالعمل المصرفي ، ولاتوجد إلى الآن برامج حكومية لتشجيع المواطنين على الادخار المصرفي ، لذلك ظلت معدلات الودائع لدى البنوك منخفضة قياساً إلى حجم الثروات المالية المتوقع وجودها بحوزة المواطنين ، ومصالحهم التجارية المختلفة.. وهي القضية التي كانت محور رهان المجموعة المالية الأوروبية الآنفة الذكر. أعتقد أن موضوع الادخار يمثل ثقافة يتم غرسها في المجتمع على مختلف فئاته ومستوياته ، لكن للأسف نحن حتى اليوم نفتقر لأي خطط على هذا الصعيد ، وقد جربت ذات يوم أن أسأل طلاب أربعة فصول دراسية في مدرسة ابتدائية بأمانة العاصمة فيما إذا كان أحدهم يمتلك «حصالة توفير» فلم أجد من يجيبني ب «نعم».. فتوقعت أن يواجه هذا الجيل مشاكل معيشية جمة في المستقبل لأنه تنقصه ثقافة التوفير التي هي أساس تدبير الحياة المعيشية. وطالما وهيئة البريد دخلت اغوار النشاط المالي فما المانع في أن تتبنى إصدار دفاتر توفير مدرسية باستخدام الطوابع المالية ،ووضع حوافز تشجيعية بسيطة لمن يكمل ملء دفتره بالطوابع المالية.. فتلك تجربة طبقتها بعض الدول من أجل غرس ثقافة الادخار والتدبير لدى مواطنيها.. ومنذ الصغر.