كتب: رضوان الهمداني تعاني أسواق الذهب في اليمن حالة من الركود الحاد جراء ارتفاع أسعاره بشكل كبير بلغت 8500 ريال للجرام الواحد (عيار 21) على خلفية الارتفاع القياسي لأسعار الذهب في الأسواق العالمية حيث سجل سعره قرابة 1250 دولار للأوقية التي تعادل 31 جرام (عيار 24).
أما سعر الجنيه الذهب الذي يعد واحدا من أهم وسائل الادخار شعبية لدى الكثيرين خاصة بين سكان الريف في اليمن فقد سجل سعره حاليا قرابة 62.500 ريال للجنيه.
وكان الذهب شهد نموا غير مسبوق في الأسواق الدولية خاصة منذ بداية شهر مارس من العام الماضي عندما تجاوز سعر الأوقية أكثر من 1000 دولار بفعل تسارع المستثمرين والمواطنين في الكثير من دول العالم على شرائه حتى أصبح الاستثمار في المعدن الأصفر هو السبيل الوحيد لتعويض خسائر البعض المتلاحقة جراء الأزمة المالية العالمية وهو ما نجم عن هذا الوضع زيادة الطلب عليه ما أدى إلى تسارع وتيرة ارتفاعه عالميا.
وعلى المستوى المحلي يعتبر متعاملون في سوق الذهب هذا العام بالنسبة لهم هو الأسوأ في مستوى إقبال المواطنين على شراء الذهب ويشعرون بالقلق من التوقعات المتكررة التي تتحدث عن احتمال ارتفاع أسعاره خلال الفترة القادمة بشكل اكبر.
يقول محمد حميد صاحب احد محلات بيع الذهب: "ان ارتفاع أسعار الذهب اثر على مبيعاتنا بشكل كبير.. ففي عام 2008م كنا نبيع ما بين 350 450 جرام في اليوم وأحيانا تصل إلى 500 جرام، أما في 2009م فكانت أيضا المبيعات قليلة لان الذهب كان يرتفع في السوق العالمية مع تراجع قيمة الدولار بسبب الأزمة الاقتصادية".
وأضاف: "اما في العام الجاري 2010م فتخيل أننا أصبحنا بالكاد نبيع 100 جرام في اليوم وفي أحسن الأحوال 150 جرام فقط".
يتذكر حميد السنوات السابقة لعام 2008م عندما كان يبيع 100 150 حبة جنيه في اليوم خاصة عندما انهار البنك الوطني قبل أربع سنوات والذي نجم عنه مخاوف لدى الكثيرين دفعتهم للاتجاه نحو شراء الذهب كوسيلة للادخار بعد تأثر ثقتهم بالبنوك اليمنية، أما في العام الجاري فلم تعد تتجاوز مبيعاته في أحسن الأحوال -كما يقول- عن 15 حبة جنيه في اليوم بسبب ارتفاع سعرها بشكل كبير.
وفيما تسود حالة من الركود في أسواق الذهب حالياً، يأمل أكرم الدبعي -صاحب محل آخر لبيع الذهب- أن يتحسن الإقبال على الشراء في فترة الإجازة الصيفية التي في الغالب تتحسن فيها مستويات الإقبال على الشراء بفعل تزايد إقامة الأعراس.
ويرى البعض ان تدني مستوى دخل الفرد في اليمن خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة لفئة كبيرة من الناس في ضوء الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية المختلفة، ساهم بشكل كبير في تراجع مستوى الإقبال على شراء الذهب الأمر الذي انعكس سلباً على محدودية نسبة الربح للمشتغلين في هذا السوق.
ونظرا لأن الذهب عملة نقدية دولية فإن أسعاره تحددها الارتباطات الوثيقة بمتغيرات أسعار البورصات العالمية وارتفاع وانخفاض أسعار العملات العالمية.
ويرى الكثير من مالكي متاجر بيع الذهب أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الريال خاصة منذ بداية العام الجاري قد زاد من الطين بلة لان خسارة الريال 10 12 في المائة من قيمته أمام الدولار أدى إلى زيادة سعر الذهب لارتباط هذا المعدن الثمين بالقيمة الشرائية للدولار.
وفي حين لا تتوفر مؤشرات على تراجع أسعار الذهب في السوق العالمية وبالتالي تراجع قيمته في السوق المحلية تتحدث وسائل إعلام عالمية عن توقعات مراكز أبحاث وخبراء اقتصاديين بارتفاع كبير في أسعار الذهب خلال الفترة القادمة إلى 1500 دولار للأوقية.
وترجع السبب في ذلك إلى الآليات التي تعمل بها البنوك المركزية حول العالم بعد تخفيض أسعار الفائدة على الودائع وزيادة الطلب على السبائك الذهبية عالميا مما يدعم تلك التوقعات بزيادة الأسعار.
وتشير إلى أن تراجع سعر الدولار أمام العملات الرئيسية في العالم يدفع الكثير من العملاء إلى الاستثمار في الذهب وهو ما يزيد من مؤشرات ارتفاع أسعاره خلال الفترة القادمة بفعل اندفاع الكثير من الناس للاتجاه نحو شراء المجوهرات كنوع من الاستثمار والخوف من احتمال تجدد الأزمة الاقتصادية العالمية خاصة في ظل الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها اليونان ومشكلة ديون مجموعة دبي العالمية.
ويورد احد التقارير الصادرة عن مجلس الذهب العالمي أسباب زيادة أسعار هذا المعدن إلى العديد من العوامل في مقدمتها شغف العملاء بالاستثمار في المعدن الأصفر كنوع من الاستثمار.. مشيرا إلى أنه ورغم التقلب في الأسعار بين الهبوط والصعود من ناحية الشراء إلا أن العملات الذهبية والسبائك تلقى رواجاً كبيراً لدى الكثيرين من المستثمرين والأفراد.
وبحسب التقرير فتشمل هذه العوامل أيضا محدودية ما تنتجه مناجم الذهب جراء ارتفاع تكاليف استخراجه في السنوات الأخيرة.. معتبرا أن تجاوزه حاجز الألف دولار للأوقية يعد استمرارا لمرحلة الصعود التي بدأها هذا المعدن منذ ستة أعوام.
وبصفة عامة تقتصر تجارة الذهب في اليمن على التبادل التقليدي بين المواطن والتاجر عبر البيع والشراء بعيداً عن الطلب الخاص بالتصنيع المحلي نظراً لغياب الاستثمارات الصناعية التي تتطلب الذهب كعنصر أساسي في المنتج كصناعة الإلكترونيات وهو ما جعل استخدامه مقتصراً على الاستخدام الشخصي كحلي للنساء فقط.
ويأخذ اقتناء الذهب في اليمن من قبل الأفراد طابع الزينة والاكتناز المنزلي كموروث مجتمعي تقليدي بعيداً عن الحاجة لاستغلاله من الناحية الاقتصادية.
ورغم عدم وجود دراسة محلية واقعية لتقدير كميات الذهب المكدسة في منازل المواطنين إلا أن مجموعة (بوستن الاستشارية) الأمريكية قدرت في دراسة اقتصادية نشرتها قبل عامين قيمة كميات الذهب التي يحتفظ بها اليمنيون داخل البيوت بأكثر من عشرة تريليون و200 مليار دولار. واعتبرت الدراسة أن تلك الكميات الهائلة من الذهب ما زالت في عداد الأموال المجمدة.. مشيرة إلى أن ثروات الذهب تلك تراكمت لدى المواطنين بتعاقب الأجيال.
وقالت الدراسة إن جزءاً صغيراً لا تتجاوز قيمته ثلاثة تريليون و500 مليار دولار ظل مجمداً في حسابات جارية، أما الجزء الأكبر الذي تتجاوز قيمته 7ر6 تريليون دولار ظل في عداد مدخرات الأسر داخل البيوت، بعيدا عن الاستثمار في السوق الاقتصادية اليمنية.
ويرى كثير من الاقتصاديين أن ما ذكرته الدراسة يحمل نوعا من المبالغة في تقدير كميات الذهب في اليمن نظراً لعدم ذكر المعايير والأسس التي استندت عليها الدارسة، إلا أن البعض يعتقد بان الرقم المذكور وإن كان فيه نوع من المبالغة يظل قريباً من الواقع نظراً للثقافة المجتمعية التي توارثها معظم اليمنيين عن آبائهم وأجدادهم القائمة على اكتناز الذهب لاستخدامه وقت الأزمات أو الظروف الطارئة.