أدى استمرار ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية منذ مطلع العام الماضي إلى تراجع كبير في مستوى الإقبال على شراء هذا المعدن النفيس في الأسواق المحلية التي وصل فيها سعر الجرام إلى قرابة الستة ألآف ريال. ويؤكد متعاملون في بيع وشراء الذهب بان سوق الذهب المحلية شهدت خلال الفترة الماضية ركودا غير مسبوق جراء عزوف الكثيرين عن الشراء بفعل موجة الارتفاع العالمي لسعر الذهب الذي سجل أعلى مستوى له على الإطلاق خلال الربع الأول من العام الجاري بتجاوزه 1000 دولار للوقية الواحدة (تعادل31 جراماً). يقول يوسف العبادي صاحب إحدى محلات بيع الذهب: سعر الذهب شهد خلال مطلع مارس الماضي حالة من التذبذب بين الصعود والهبوط، وتراوح سعره العالمي بين 900 1037 دولار للوقية، لكن في النصف الثاني من مارس تراجع السعر قليلا، حيث تراوح متوسط سعر الوقية بين 900910 دولار. وأضاف" مع ذلك ظل مستوى الإقبال على الشراء في السوق المحلية متدنيا كما عليه الحال ولم يطرأ أي تحسن". وأشار العبادي إلى أن تدني مستوى الإقبال بدأ في شهر اكتوبر2007م حيث شهد سعر الذهب في الأسواق العالمية ارتفاعا كبيرا مسجلا 780 دولار للوقية الواحدة مقارنة ب635 دولار للوقية مطلع العام الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر الذهب في السوق المحلية إلى قرابة خمسة ألاف و200ريال للجرام من أربعة الاف و200ريال للجرام الواحد. وفيما تسود حالة من الركود في أسواق الذهب حالياً توقع عبدالله الحاشدي وناصر محرم صحابي محلات لبيع الذهب أن يتحسن مستوى الإقبال على الشراء في فترة الإجازة الصيفية خلال الربع الثالث من العام الجاري. وأرجع الحاشدي السبب في ذلك إلى أن تجارة الذهب تكاد تكون مقتصرة على مواسم العطل الصيفية ومرهونة بإقامة الأعراس الاجتماعية حيث يقبل الكثير على شراء الذهب بنفس القدر خلال المواسم الماضية وإن كان ارتفاع الأسعار هذا العام ستؤثر في كمية الطلب. من جانبه يرى ناصر محرم ان ضعف مستوى دخل الفرد في اليمن وخاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة لفئة كبيرة من المجتمع في ضوء الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية المختلفة، ساهم بشكل كبير في تراجع مستوى الإقبال على شراء الذهب الأمر الذي انعكس سلباً على محدودية نسبة الربح للمشتغلين في مجال الذهب. وبالنظر إلى كون الذهب عملة نقدية عالمية فإن أسعاره تحددها الارتباطات الوثيقة بمتغيرات أسعار البورصات العالمية وارتفاع وانخفاض أسعار العملات العالمية. وفي هذا الجانب يعتبر الكثير من مالكي محلات الذهب أن تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وغيره من العملات الرئيسية يزيد الأرض بلة كون ذلك يؤثر سلباً على عملية شراء الذهب لارتباطه بالقيمة الشرائية للدولار. وعلى المستوى العالمي قال تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي: أن نسبة الزيادة في أسعار الذهب تجاوزت 52 % من متوسط سعر الذهب في شهر مارس 2007 التي بلغ فيها سعر الوقية 566.89 دولار . وأرجع التقرير تلك الزيادات إلى شغف العملاء بالاستثمار في المعدن الأصفر ما أدى إلى ارتفاع سعر وقية الذهب لغاية 1000 دولار أمريكي. ولفت إلى أن التقلبات الاقتصادية التي يشهدها العالم حالياً وخاصة أزمة الائتمان في السوق الأمريكية دفعت الكثير من الناس للاتجاه نحو شراء المجوهرات كنوع من الاستثمار والخوف من الركود الاقتصادي التي بدأت ملامحه بالتضخم وانخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى. وأشار التقرير إلى أنه ورغم التقلب في الأسعار بين الهبوط والصعود من ناحية الشراء إلا أن العملات الذهبية والسبائك تلقى رواجاً كبيراً لدى الكثيرين من المستثمرين والأفراد. وبحسب التقرير فقد تمثلت أسباب ارتفاع الذهب في الفترة الأخيرة بعدد من العوامل أهمها خوف الكثير من حدوث تضخم في ظل الارتفاع المضطرد لأسعار النفط ما عزز الاعتقاد بأن الذهب هو الملاذ الآمن من حالات التضخم التي بدأت تظهر في عدد من اقتصادات العالم والانخفاض المستمر لقيمة الدولار الأمريكي الذي تعتمد عليه كثير من الدول في تجارتها. كما أورد التقرير عدد من الأسباب الأخرى التي أدت إلى اتساع الفارق بين الطلب والعرض على الذهب ما أدى إلى ارتفاع أسعاره بشكل واضح منذ عام 2001، من بينها محدودية ما تنتجه مناجم الذهب جراء ارتفاع تكالف استخراجه في السنوات الأخيرة. وبين التقرير أن الطلب على المجوهرات الذهبية ارتفع إلى 54 مليار دولار في عام 2007 مسجلاً رقماً قياسياً جديداً في حجم الاستهلاك أما من ناحية الأطنان فقد شهد عام2007 ارتفاع استهلاك الذهب بنسبة 6% عن عام 2006. كما قدر التقرير كمية الطلب على الذهب العام الماضي ب 79 مليار دولار أمريكي، معتبراً وصوله إلى سعر 1000 دولار استمرار لمرحلة الصعود التي بدأها هذا المعدن منذ ستة أعوام. وارجع متعاملون في بورصة لندن للذهب أسباب الارتفاع في سعر الذهب خلال العامين الماضيين إلى القلاقل الأمنية التي تشهدها اغلب بلدان العالم والنزاعات السياسية التي تثيرها أمريكا مع إيران والصراعات التي تشهدها العراق وأفغانستان. واعتبر هؤلاء أن صعود أسعار النفط والمخاوف الأمنية والقلق من التضخم مثل دعماً إضافيا للذهب ما جعل بعض البنوك المركزية في العالم وخصوصا في آسيا كالصين وماليزيا وسنغافورة ودول عربية مثل الإمارات وعمان تسعى إلى تحويل جزء من عمولتها النقدية إلى الذهب تجنبا لمخاطر انخفاض قيمة العملات الرئيسية. وبصفة عامة تعد تجارة الذهب في اليمن مقتصرة على التبادل بين المواطن والتاجر عبر البيع والشراء بعيداً عن الطلب الخاص بالتصنيع الملحي نظراً لغياب الاستثمارات الصناعية التي تطلب عنصر الذهب كعنصر أساسي في المنتج كصناعة الإلكترونيات وهو ما جعل استخدام الذهب مقتصراً على الاستخدام الشخصي كحلي للنساء فقط. ومن ناحية أخرى فإن اقتناء الذهب في اليمن من قبل الأفراد يأخذ طابع الزينة والاكتناز المنزلي كموروث مجتمعي تقليدي بعيداً عن الحاجة لاستغلاله من الناحية الاقتصادية. ورغم عدم وجود دراسة محلية واقعية لتقدير كميات الذهب المكدسة في منازل المواطنين إلا أن مجموعة (بوستن الاستشارية) الأمريكية قدرت في دراسة اقتصادية نشرتها العام الماضي قيمة كميات الذهب التي يحتفظ بها المواطنون اليمنيون داخل البيوت بأكثر من عشره ترليون و200 مليار دولار. واعتبرت الدراسة أن تلك الكميات الهائلة من الذهب ما زالت في عداد الأموال المجمدة، مشيرتاً إلى أن ثروات الذهب تلك تراكمت لدى المواطنين بتعاقب الأجيال. وقالت الدراسة أن جزءً صغيراً لا تتجاوز قيمته ثلاثة تريليون و500 مليار دولار ظل مجمداً في حسابات جارية، أما الجزء الأكبر الذي تتجاوز قيمته 6.7 تريليون دولار ظل في عداد مدخرات الأسر داخل البيوت، بعيدا عن الاستثمار في السوق الاقتصادية اليمنية. ويرى كثير من الاقتصاديون ان ما ذكرته الدراسة يحمل نوع من المبالغة في تقدير كميات الذهب في اليمن نظراً لعدم ذكر للمعايير والأسس التي استندت عليها الدارسة، إلا أن البعض يعتقد بان الرقم الذي ذكرته الدراسة وإن كان فيه نوع من المبالغة يظل قريباً من الواقع نظراً للثقافة المجتمعية التي توارثها معظم اليمنيين عن آبائهم وأجدادهم القائمة على إكتناز الذهب لاستخدامه وقت الأزمات أو الظروف الطارئة.