رغم تنوع خطط الحكومة وبرامج الهيئات الدولية لمكافحة الفقر، وامتدادها حتى إلى الثقافة الإنجابية للحد من الانفجار السكاني، إلا أنها من الغرابة بمكان أن تتجاهل استهداف ثقافة «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». ففي الوقت الذي يتحدث مبرمجو سياسات مكافحة الفقر عن تنمية الأسرة، وفرص تحسين ظروفها المعيشية، ومصادر دخلها، لم يلتفت أحد إلى أهمية تنمية ثقافة الادخار في المجتمع، وإيجاد قنوات مؤسسية لتنمية المدخرات، واستثمارها على النحو الذي يؤمّن للأسرة مورداً إضافياً، أو يفتح لها أبواب الدخول إلى المشاريع الصغيرة، التي مازالت حتى اليوم تعتمد بالكامل على ما تقدمه بعض الهيئات والدول المانحة. إن ثقافة الادخار أو التوفير كانت في الماضي قائمة على ثقافة شعبية تقول : «التدبير نصف المعيشة»، وكذلك قولهم «المرة المُدَبِّرة خير من الضّمد المشمّر»، لذلك تعتقد كبرى مؤسسات المال السويسرية أن الفرصة مواتية حالياً للبنوك لمد مشاريعها إلى اليمن لتشغيل مدخرات الذهب الهائلة الموجودة لدى اليمنيين في بيوتهم ولم تدخل السوق الاقتصادية إلى حد الآن. ومن الواضح أن بقاء مدخرات الذهب دونما تشغيل غير عائد إلى عزوف الأسرة اليمنية عن استثمارها، بل لغياب المؤسسات المالية التي تشجع على استثمارها، وتقيم مشاريع معنية تجذب الأسرة وتغريها على تنمية ثروتها الخاصة، فاليمن حتى اليوم تفتقر للشركات التساهمية، وكانت «يمن موبايل» أول مشروع بهذا الاتجاه رغم أن الدفعة الأولى لأرباحها جاءت محبطة، وقد ينعكس سلباً على مستوى الثقة بالأسهم. إذا كنا نعتقد أن ثروة الجيل السابق كانت حصيلة موروث ثقافي شعبي شجع على الادخار والتدبير على قاعدة «ضم ظلف الحمار لما يقول لك الزمن هاته»، أو «القرش الأبيض ينفع لليوم الأسود»، فإن الجيل الحالي نسي هذا الموروث من أساسه بحكم تطورات الحياة العصرية، وبات بأمس الحاجة إلى من ينمي لديه ثقافة التدبير والادخار، وينتشله من فوضى الإنفاق، وسوء استثمار المال الذي يتجلى بوضوح في واقع استثمارات المغتربين. هناك دول نامية كثيرة جداً لديها تجارب رائعة في موضوع تشجيع التوفير أو الادخار واستثمار المدخرات، فما الذي يمنع الحكومة الاطلاع عليها ومحاولة تكييفها بما يتوافق وظروف المجتمع اليمني.. ونعتقد أن المسألة لايجب أن تتخذ أفقاً محدوداً بل من المهم جداً بلورتها كحملة وطنية واسعة بدءاً من المدارس الابتدائية وانتهاءً بالشارع بمختلف تكويناته.. وبمشاركة إعلامية واسعة لتتحول إلى رهان وطني لتحريك المال وإنعاش حياة المجتمع.. أتمنى من كل قلبي أن تجد هذه الدعوة صدى لدى الحكومة.