«وباعتبار أن المعارضة هي جزء لا يتجزأ من مكونات النظام السياسي، لذا عليها أن تمارس دورها في إطار الالتزام بالدستور والقوانين النافذة واحترام قواعد الممارسة الديمقراطية التعددية..إلخ» ما تقدم قاله فخامة الأخ علي عبدالله صالح ، رئيس الجمهورية - حفظه الله - في معرض رسالته الموجهة إلى قيادة المجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك في الأسبوع الماضي، والتي ذهبت بعض صحفها ووسائل إعلامها إلى تفسيرها كما يحلو لها من دون التدقيق في مضامينها، لاسيما المقولة التي أوردناها بعاليه. فالباحث والمحلل السياسي الموضوعي والواقعي لا تفوته المعاني العميقة التي تكمن وراء سطور هذه المقولة، إذ أنها تعني بوضوح حرية الممارسة والاضطلاع بالدور المناط بالأحزاب السياسية المعارضة في بلدان الديمقراطيات الناشئة التي تؤمن بالتعددية الحزبية وحرية الرأي والتعبير، وبوجيز العبارة الحرية بمفهومها الإنساني والسياسي والديمقراطي، ولكن بمسؤولية، وهذا ما أكدته التجارب في مسارات التاريخ الفلسفي والسياسي للشعوب والأمم والأوطان. بعد حكمة «مونتيسيكيو» الشهيرة القائلة: «تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين»، قال «ليبنتيز» حكمته التي تقول: «العقل روح الحرية» ثم لخص «روسو» روح الحكمتين بالقول الشهير: «لا حرية دون مسؤولية» .. هذه الحكم، وما تلاها، حملت في مضامينها التخلقات الأولى للديمقراطية التي تأسست في دول أوروبا مطلع القرن الثامن عشر، وقد اعتمدتها تلك الدول أثناء وضع دساتيرها، والتزم بجوهرها وأحكامها قادة الأحزاب السياسية فنجحوا في التأسيس لهذه الديمقراطية، وشكلت مرجعيات لا يستغني عنها السياسيون وقادة الأحزاب. وفي تجربتنا اليمنية الرائدة للديمقراطيات الناشئة في الوطن العربي، لا يغرب عن بال الباحث والمحلل السياسي، ذلك التفريط المؤسف له في روح الموروث الفلسفي الإسلامي والإرث الحضاري اليمني من قبل الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة، والذي لو أعطت له جل اهتمامها، مضافة إليه مرجعيات الفكر العالمي بما فيها تلك الحكم والمقولات الفلسفية العميقة، لتأصلت في فكرها ومفاهيمها للحرية والديمقراطية مرجعيات ثرة ترقى بالوطن إلى مصاف الديمقراطيات المتقدمة، وتعوض عليه ما فوته من عقود أثناء حكم الإمامة والاستعمار البريطاني. وحده فخامة الأخ الرئيس المعلم - حفظه الله - من أولى هذا الجانب جل اهتماماته عندما أسس «الميثاق الوطني» في ضوء تعاليم ومفاهيم وقيم الموروث الفلسفي العربي الإسلامي والإرث الحضاري اليمني، ومرجعيات الفكر العالمي الإنساني، وعلى خطاه سار المؤتمر الشعبي العام الذي أسسه على الوسطية والاعتدال في الفكر والنهج المؤسس للديمقراطية والتي تعني في مفهومها الشامل، كما عرفها «الميثاق الوطني»: «إن الديمقراطية المتكاملة - فكراً وسلوكاً - هي الضمانة الأساسية لحماية الحريات.. ولقيام علاقات سوية متطورة بين مؤسسات الحكم، وبين الشعب والدولة، وبين الفئات الشعبية نفسها، وبين المواطن والوطن». ونخلص مما تقدم إلى حقيقتين تقول الأولى منها: إن ميكانيزم العلاقة بين الحرية والديمقراطية هي علاقة (جدلية) والجدلية عرفها مناطقة المسلمين، قبل كارل ماركس وفلاديمير إليتش لينين، بأنها: «قياس مؤلف من مشهورات أو مسلمات» وتقول هذه العلاقة بأن الحرية هي مسؤولية وأن المسؤولية تتجسد في الديمقراطية فكراً وسلوكاً، والمسئولية تعني الالتزام وبدوره يفضي إلى الوعي الجمعي الذي ينبغي أن تكون عليه حرية المعارضة والتزاماتها تجاه المصلحة الوطنية وجعلها فوق أي اعتبار آخر. والحقيقة الثانية تقول: لو أن معظم قادة المعارضة السياسية، وأعني بهم أولئك الذين أسسوا للمؤتمر الشعبي العام وشاركوا في صياغة وإصدار «الميثاق الوطني» لو أنهم وضعوا نصب أعينهم ما ثقفوه من تعاليم ومبادئ ورؤى جاء بها ذلك «الميثاق الوطني» لما آل بهم الحال يومنا هذا إلى اتخاذ مواقف غير صائبة تجاه الاستيفاء للاستحقاق الديمقراطي الوطني للشعب اليمني تؤدي في الأخير إلى عرقلة الانتخابات البرلمانية القادمة والنكوص بتجربته الديمقراطية الرائدة بين الديمقراطيات الناشئة. ومجمل القول: إن جميع أطراف اللعبة السياسية في الساحة اليمنية بما فيها الحزب الحاكم ينبغي أن يستشعروا مسؤوليتهم التاريخية تجاه ما ينعم به الوطن راهناً من حرية وديمقراطية بوصفهم منظومة سياسية متكاملة مناط بها تجسيد المضامين الحقيقية للحرية والديمقراطية فلا حرية دون مسؤولية، ولا مسؤولية دون الإيفاء للحقوق الديمقراطية ولو أدى الأمر إلى تقديم عدد من التنازلات. [email protected]