شهر كريم.. مبارك.. شهر الله سبحانه وتعالى.. شهر اختبار.. شهر العدل.. شهر المساواة.. شهر الصبر.. شهر الرحمة.. شهر التكافل.. شهر الارتقاء الروحي.. شهر الانتصار على الرذائل .. شهر العمل الخالص لله، شهر المحبة، شهر التعاون، شهر الإحساس بالألم ومشاركة ذوي الآلام والمعاناة. شهر النزول من الأبراج العاجية إلى الواقع المليء بالبسطاء والفقراء والمعوزين والمعاقين، وأصحاب الأمراض المزمنة، الذين يتراصون صفوفاً وطوابير أمام بيوت ومؤسسات التجارة والصناعة، وذوي الإحسان والأيدي البيضاء، يبحثون عندهم عن إعانة نقدية أو عينية تساعدهم في هذا الشهر الكريم وما يتلوه من عيد مبارك له متطلباته، وللناس فيه احتياجات. نعم إنه شهر يجمع في أيامه المباركات الكثير من الصور والمشاهد، التي لا تكون منظورة على النحو الذي هي عليه في هذا الشهر.. بل إن هجرات منتظمة ومنظمة من ريف تعز تقصد المدينة باحثة عن صدقات وزكوات وإعانات.. نعم إنها مشاهد تثير في النفس الحسرة والألم، وتبعث فيها حماساً يدفع صاحبه إن كان من أهل الخير والصلاح، والانتماء والمواطنة إلى عمل شيء في سياق تقديم المساعدة.. ومثل هذا كثيرون ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل بما يقدم من أفلاس وقروش معدودة نكون قد عالجنا واقع هذه الصفوف المتراصة ونقلناها من واقع الحاجة والإعالة اعتماداً على الغير، إلى الاعتماد على الذات؟؟؟ الجواب ببساطة، لا.. بل مثل هذ المساعدات التي تقدم في هذا الشهر أو على عرض السنة وطولها، تسهم على نحو مباشر وغير مباشر في تنامي طوابير المتسولين، وتشجع على التدافع إلى الشوارع، وتحفز العديد من ضعاف النفوس وضعفاء الإرادة إلى المكوث في الشارع واحتراف التسول مهنة، وهي بالمشاهدة ومن خلال الدراسات الميدانية مهنة مربحة، قد لا تدر أي مهنة أخرى ما تدره هذه المهنة. إن التسول ينمو تحت مسمى الرحمة والكرم والعون والمساعدة ويتنامى في ظل غياب القوانين الصارمة، والرعاية الاجتماعية المشتملة على برامج إصلاح وتربية، وتمهين، أي نقل المتسول من حالة التسول إلى وضع مهني، بفعل مدروس ورعاية مباشرة، ومثل هذا الأمر لايمكن إنجازه من خلال السلطة لوحدها أو من خلال أي طرف في المجتمع، بل يتحقق من خلال شراكة حقيقية بين السلطة وأطراف المجتمع المختلفة يتحمل فيها كافة الأطراف المسئولية التضامنية وتعمل مجتمعة على التخلص من هذه الظاهرة السيئة والسلبية، التي تضر بالمجتمع وتشوه صورته، وتسيء إلى عقيدته وحضارته. إننا في تعز، بدأنا مشواراً في هذا المضمار، مضمار الشراكة المجتمعية، وبالفعل خطونا خطوات في اتجاه معالجات علمية وموضوعية لهذه الظاهرة وأنشىء لهذا الغرض مركز الكفالة الاجتماعية في جانب الراشدين أي للتعامل مع المسئولين من الفئات البالغة في عمرها سناً تجاوز الثامنة عشرة، وأنشىء مركز آخر للعناية بالأطفال تحت سن الثمانية عشرة.. من خلال جهد قام بتغطية كافة إجراءاته مكتب الشئون الاجتماعية وبرعاية وإشراف من المجلس المحلي، ومن خلال مركز البحوث ودراسات الجدوى. هذه الجهود ما تزال جنينية، وفي طور التشكل وهي منبثقة عن تجمع كبير لأطراف مجتمعية وصلت إلى 021 طرفاً وستشهد إن شاء الله في فترة مابعد شهر الصوم انتعاشاً وعملاً منظماً، علماً أن صندوق الرعاية الاجتماعية وبشراكة مع المجلس المحلي ومركز البحوث ودراسات الجدوى قد بدأ تجربة شراكة مع الجمعية اليمنية للتخلص من الجذام في تشغيل ورشتي النجارة والحدادة التابعة للجمعية، وقد أثمرت في جوانب التدريب والإنتاج وبدأت تعرض على الجمهور منجزاتها. إن مانريد قوله أن الإحسان لايمكن أن يكون الحل السحري لظاهرة تكفف الناس بمفهومه الذي يتعامل معه المجتمع بشكل مباشر، إن الإحسان الحقيقي هو أن نخرج هذا الإنسان من حالة التكفف وطلب ما في أيدي الناس إلى حالة الاعتماد على ذاته وعبر مهنة ونشاط مهني يدر عليه ربحاً مستقراً ودائماً، ومن هذه الوجهة نوجه الدعوة إلى رجال الخير والجمعيات العاملة في هذا الاتجاه أن تعتمد هذه الرؤية سبيلاً لتنفيذ أنشطتها وستكون عند الله أكثر قبولاً، مع تأكيدنا على أهمية ما تقوم به الآن من أعمال اجتماعية وخيرية. والله من وراء القصد