كل عالم خطيب.. وليس كل خطيب عالم فالخطابة إذن مهارة في عرض القول بإسلوب منهجي يتناسب مع موضوع الخطبة وأفكارها ومدى بعد أو قرب ذلك الموضوع وتلك الأفكار عن المتلقي وواقعه المعيش. والخطيب الجيد هو الذي يراعي معطيات تلك المنهجية للخطابة بما فيها الحالة النفسية والروحية للمتلقي ومدى تقبله للخطيب نفسه ولما يطرحه عليه.. والعالم الخطيب هو وحده من ينجح في ربط علاقة معرفية مع الناس خصوصاً في قوة التأثير الذي يتركه بعد كل خطبة له الأمر الذي يجعله قدوة حسنة أحق أن تتبع لأسباب عديدة أهمها أنه منبع للمعرفة وتبصير الأمة بأمور دينها وحياتها الدنيوية وليس مخزناً «وعاءً» لخزن المعارف وتفريغها كما هو حال الخطيب فقط الذي لايشبه العالم إلا في شكل الزي فقط.. وهنا يبدو الفرق واضحاً كما يبدو الإشكال أكثر وضوحاً.. فالفرق الواضح يتبدى في أن الخطيب غير العالم يفرغ حمولته أثناء خطبته وهو في كثير من الأحيان يجهل تجليات الموضوع وأبعاد الفكرة و..و..إلخ على عكس العالم الخطيب الذي يعرف ماذا يقول ومعنى مايقول ويسير في خطبته على هدى من بصيرة علمه الذي يتدفق من ثناياه فكر فيه الحق والخير والنور المبين فيتحقق هدف الخطبة ويستفيد الناس منها ويصبح هذا العالم مثار الاقتداء به والشوق للالتقاء به أسبوعياً في بيت من بيوت الله المقدسة. أما الإشكال الذي يظهر أكثر وضوحاً فإنه يتمثل في وقوع الخطيب غير المدرك لما يقول في مآزق عديدة مع الناس «المتلقين».. خاصة وهم يطرحون عليه بعض الاستفسارات حول موضوع الخطبة بغرض الحصول منه على إجابات شافية ولكنه عبثاً يحقق لهم ذلك.. وهذا ليس معناه الجهل،ولكنه التجهيل الذي أسلم نفسه له فأصبح من ضحاياه الكبار إذ إن شخصيته المعرفية المستقلة لا وجود لها فليس أمامنا على المنبر إلا ذلك الذي يفرغ حمولته اللفظية التي تكلف بإفراغها في هذا المسجد أو ذاك فكان له فقط جودة الإلقاء الذي تدرب عليه أما ما سواه فلا شيء يحسب له، ناهيك عن أن هذه التوعية من الخطباء « الذين ليسوا بعلماء» كثيراً مانجدهم يكابرون ويصنعون من أنفسهم على المنابر رجالاً للفكر والفقه والتنوير وهم معروفون لدى جميع العوام بأنهم ليسوا سوى خطباء أوفياء في نقل أفكار وأهواء أحزاب لهم برغم تبعات ومضاعفات ذلك النقل الأمين وما يقعون فيه من إفصاح عن مكنونات آراء أو فتاوى تعبر فقط عن شهوة ذلك الحزب أو غريزة في ذلك التنظيم .. وهنا تكمن مشكلة رسالة المسجد.. إذ إنها رسالة مقدسة تخدم فقط الدعوة إلى الله ودين الحق وتهذب النفوس وتوحد القلوب وتغرس فضائل الإيمان والتقوى وحب الوطن برؤيا مليئة بالاعتدال وعدم التطرف والتشدد وإشعال الفتن ماظهر منها ومابطن.. الأمر الذي يجعل من خطيب المسجد عالماً بالضرورة بل إن على الجهات ذات الاختصاص كالأوقاف مثلاً والمجالس المحلية عليها أن لاتدع منابر المساجد مفتوحة لمن هب ودب ولمن هو معروف مسبقاً بمواقفه المعادية للأمة ووحدتها وأمنها واستقرارها فلا نريد إلا علماء وإلا خطباء على قدر كبير من العلم يؤدون رسالة المسجد على أصدق فعل ولايريدون إلا ثواب الله بالدرجة الأولى وبذلك فقط تسمو الرسالة وتحقق أهدافها في أوساط المجتمع خاصة وبلادنا أرضاً وشعباً في أمس الحاجة إلى العلماء الأجلاء للقيام بدورهم التوعوي والإرشادي والتوجيهي ضد الأفكار المتطرفة التي لاتمت إلى ديننا الإسلامي بصلة ولاتخلق إلا العنف والإرهاب والتمزق وسفك الدماء البريئة خدمة للأغراض الدنيئة التي يرفضها الإسلام ولاتخدم المسلمين ولاتهتم بشئونهم ولاتراعي المصلحة العليا للوطن.. من أجل ذلك لم يكن حديث فخامة الأخ رئيس الجمهورية المشير علي عبدالله صالح حفظه الله أمام جمهور العلماء والخطباء لم يكن حديثاً آتياً من فراغ ولكنه كان نتيجة تجربة بل تجارب يعيشها اليمن وليس من معالجة لسلبياتها سوى بتنفيذ توجيهات فخامة الأخ الرئيس حول اضطلاع العلماء بدورهم في حياة الناس وكذلك فهم الخطباء لما يجب عليهم وهم يعتلون منابر المساجد من إرشاد إلى الفضيلة والوحدة ونبذ العنف والتطرف والتشدد والتمرد على أولي الأمر والعمل على تمجيد الفضيلة وغرسها في نفوس أبناء الوطن الواحد بعيداً عن الأفكار المسمومة التي لاتخدم الإسلام والمسلمين.. إننا نريد علماء خطباء وخطباء علماء تتوافر فيهم هيبة العلم والعالم «فالعلماء ورثة الأنبياء» أما ممارسة الخطابة كمهنة مؤدلجة متحزبة فإننا عوام الشعب نرفضها شكلاً ومضموناً وعلى الجهات المختصة إعطاء ذلك جل الاهتمام،فالوطن يكفيه فتناً ومآسي لايستفيد منها سوى المغرضين أعداء الأمة واليمن وتقدمه وازدهاره .. فمثل هؤلاء لايعيشون إلا على دم الضحايا الأبرياء والفتن التي تحرق الأخضر واليابس وإننا نقول لمثل هؤلاء: إن اليمن بوحدته وقيادته الوطنية المخلصة ممثلة في شخص فخامة الرئيس علي عبدالله صالح وكل الشرفاء معه سيظل شامخاً قوياً بإيمانه القوي بالله وعشقه الكبير للتراب اليماني الأصيل حقولاً وعقولاً وسيظل يسير واثق الخطى إلى مستقبله المنشود بإذن الله تعالى وشهر مبارك وكل عام والجميع بخير.