هاهو شهر رمضان المبارك يمدنا بروحانيات المحبة والتسامح والتقارب والتكافل، فهو شهر عبادات، وبالقدر نفسه هو شهر عمل وعطاء، يمضي الصائم نهاره في حالة من الاسترخاء، أما مساؤه فهو مساحة زمنية من العبادات تتواصل مع عمل مكثف، حتى إن المرء ليعتقد أن الشوارع والمحلات أشبه بورش عمل لاتكل. هكذا يمضي عامة شعبنا بين التعبد والعمل، بين متطلبات الحياة الدنيوية وقدسية الحياة الدينية، ولعلهم مطمئنون إلى ما يقومون به، فهم يكدحون ويجدون راحة وهم يؤدون شعائرهم الدينية من صلاة وصيام وتعبد وتجنب للمحرمات، ولكنهم مع وصول قدر من التطور التنموي المدني بحاجة أكثر إلى رابط الدين والرجوع إليه مع هذا التطور، فما إن تتعمق في آية قرآنية أو حديث نبوي شريف إلا وتجد أنه قد أشار عليك بما يشير هذا التطور إليه، وهكذا نجد انسجاماً ودعماً، فالإسلام دين ودنيا، وما التباين في فهمه عند الناس إلا للتراحم وتخفيف المغالاة والتشدد، وقد أشار علينا الإسلام بأن نرد ما فهمناه وما لم نفهمه أو فهمناه وفق رؤانا إلى الله والرسول، وحتى لا يجتهد الفرد العبد ويقسر الآخرين على فهمه هو، وحتى لا تتقوى نزعات ذاتية عند البعض.. لذا كان هناك، رغم النصوص الدينية الصريحة في العلاقة المباشرة بين الخالق والمخلوق، اعتقاد من البعض بأنهم مستخلفون، وبأنهم من واجبهم إلزام الناس، وجروا بعملهم هذا على الدين مخاطر وإساءة. لاشك أن الإسلام قد جاء بكثير من القيم والواجبات، وهي ملزمة للفرد المسلم ذاته، وهو مسؤول عن أدائها كيفما قرأ الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن خلال ما استطاع الصحابة والتابعون الاجتهاد فيه وتقديمه، ويجب أن ندرك أن قيام المذاهب هو لتمكين المسلمين من فهم الدين والقيام بأداء أركانه، ويعتبر قيامها ترجمة لروح الدين، وكل بحسب فهمه، وهذه المذاهب تساعد خلال توزّع المسلمين عليها فتعني التراحم من خلال تباين فهم المعنى وهو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بأن الاختلاف رحمة... على أن ذلك ليس لقصد أن يربي الأب أو الأم أبناءهما على عدم الصلاة أو الصيام، بل ذلك واجب عليهما من خلال التربية لهم والتدريب عليها، وكلما كبر الأبناء كان على الوالدين النصح والإرشاد والتركيز الدائم.. كما أن الابن عندما يكبر فهو مسؤول عن نفسه وسيحاسبه الله في الدنيا، كون ترك العبادات تقرب الفرد إلى الأخطاء والمعصيات التي تعرضه للعقوبات الدنيوية، وهذه نتيجة واضحة لمن يتخلى عن دينه، كما أنه سينال عقاب الآخرة كونه لا يعني أن القسر والإرغام سيجنبانه. الإسلام احترم كثيراً الإنسان، وحمّله مسؤولية نفسه، وأوضح الله تعالى أنه لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي... وأشار القرآن في الآية «لكم دينكم ولي دين» أننا في عالم تتواجد فيه أديان وملل وثقافات، ونحتاج كثيراً لنقدم فيه ديننا وإسلامنا بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن الغلظة في إقامة الدين واتباعه ليست من الإسلام، بل هي وخيمة العواقب، وتسيء له، وتضر بالآخرين... ولنا في الإسلام عبرة عندما قال عبدالمطلب، جد النبي - علىه الصلاة والسلام - لملك الحبشة: إن للكعبة رباً يحميها... وهذا ما حدث قبل مجيء الإسلام، وجاء الإسلام وأصبحت الكعبة قبلة المسلمين، وحماها الله للمسلمين قبلة يتباهون بها، فهي قلب العالم، يحجون ويعتمرون إليها، ويوجهون صلاتهم إليها، وتحتضن المسجد الحرام بمكة، تلك الأرض المقدسة... وهكذا حماها الله وأصبح المسلم يفاخر بأداء الصلاة فيها وإليها... وعرض هذه الصلوات على القنوات الفضائية إنما ليعرف العالم كيف أن المسلم أكد انضباطه في صلاته ووقتها، وكم يقدم القرآن له وللآخرين من قيم المحبة والتسامح والتعامل مع الآخرين في الصلاة اليومية، وما الصيام إلا نوع من درس يقدمه الإسلام للمسلمين في الإحساس بحال الفقراء، لذا هو عبادة يجازي الله بها عباده، فهي عبادة مباشرة بين الفرد وخالقه الذي يدرك عز وجل ما بنفسه وتفكيره وهدفه لذا هو يجازيه على صحة نواياه ومقاصده.