لحظة سماعي نبأ قرار العفو العام عن المحتجزين على ذمة أحداث إثارة المناطقية والشطرية الذي أصدره فخامة الأخ علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية- الخميس الماضي انتابني شعور بعدم الرضا على هذا العفو، ليس لكوني رافضاً للغة التسامح والعفو، أو مع استمرار الحديث بلغة الغلو والتطرف والتحريض والفوضى.. وليس لكوني أيضاً راغباً في استمرار المعفي عنهم قيد الاحتجاز، بعيداً عن أسرهم وأحبائهم لاسيما في هذه الأيام المباركة التي نحيا معها ليالٍ مليئة بالرحمة والمغفرة المهداة إلينا من رب الكون والعالمين. كما لم ينتابني ذلك الشعور الغريب لكوني غليظ القلب أو منزوعاً منه الرحمة والشفقة، ولكن لكون من تم العفو عنهم هتفوا في ذات يوم للردة، ورفعوا شعاراتهم المخضبة بالدعوات النتنة.. وعقدوا صفقاتهم مع الكراهية والتخريب، وكشفوا عن الحقد الدفين ضد الوطن الواحد والناس أجمعين .. وأرادوها محرقة وفتنة لا تبقي ولا تذر.. وكان يجب أن ينالوا جزاء ما اقترفوه من ذنب وفعل قبيح بحق الوطن والشعب على حدٍ سواء. أدركت أن نظرتي تجاه هذا العفو قاصرة بالمطلق من منطلق أن نكء الجراح ليس من الحكمة في شيء، وأن الابتعاد عن العقلانية يؤدي إلى تسيّد الفوضى والانقضاض على الوطن وتمزيقه. أدركت أن شعوري هذا قد يكون مقارباً أو مساوياً لمواقفهم التخريبية السابقة، وأفعالهم التي لبست ثوب الفتنة، واتجهت صوب الدعوة نهاراً جهاراً ودون حياء من أحد لتمزيق الشعب الواحد وإشاعة الفوضى وإدماء خاصرة الوطن الكبير.. أدركت أن لغة العفو والتسامح هي أساس الحكم، وهي اللغة التي يجب أن تتسيّد كل مفاصل وشئون حياتنا.. وهي المطلب الملح في هذا الزمن الذي ضاعت فيه الكثير من القيم الوطنية والإنسانية.. وأصبح الأخ يتآمر على أخيه أو قريبه من ناحية وعلى وطنه من ناحية ثانية. قرار رئيس الجمهورية بالعفو العام عن المحتجزين على ذمة أحداث إثارة المناطقية والشطرية لم يكن ليصدر سوى من قائد يتحلى بصفات الحكمة ويمتلئ قلبه بالمسئولية وحريص على وحدة الصف الوطني، ومستلهم لكل دروس الماضي التي كان لها الأثر الكبير في تحقيق الحلم الوحدوي والحفاظ على مكتسبات الثورة والجمهورية من كل المؤامرات والتحديات الداخلية والخارجية على حد سواء. قرار حكيم ينطلق من الحرص المطلق على مواجهة كل أشكال وصور الغلو والتطرف وتأصيل ثقافة المحبة والإخاء والتلاحم، وزرع قيم التسامح، ونبذ التعصب والعصبية المقيتة. لم يكن هذا القرار ليصدر من ضعف أو كما تُردد قيادات أحزاب اللقاء المشترك استجابة لمطالبها المستمرة، وإنما بمبادرة شخصية وكريمة من فخامة رئيس الجمهورية، وكتأكيد لطبيعة النظام السياسي السائد في البلد.. وكخيار ثابت وحاسم لإنجاز الفعل الوطني وإدارة شئون الحياة بعقل وتعقل.. وهو الخيار الذي انتهجه فخامة رئيس الجمهورية وأكد عليه طيلة مسيرة حياته النضالية الحافلة بالعمل والإنجاز..هذا القرار جاء كترجمة فعلية لخطابه الذي ألقاه إلى جماهير الشعب كافة بمناسبة شهر رمضان المبارك، وأكد فيه تمثل قيم الحب والتسامح والإخاء والعمل الجاد والمثمر من أجل الانتصار لكل آمال وتطلعات أبناء الشعب ونبذ كل أشكال وصور التطرف والمناطقية والعصبية العمياء.. ينبغي أخيراً التأكيد على ضرورة أن يعي هؤلاء وغيرهم الغاية والهدف من قرار العفو العام ويؤكدوا التزامهم المطلق بالدستور والقوانين النافذة في البلاد، وبالثوابت الوطنية وعدم الخروج عليها. ينبغي عليهم الابتعاد عن تبني الدعوات الشللية والجهوية المقيتة ونبذ كل أشكال التعصب والتفرقة والبغضاء في المجتمع.. وتجاوز مظاهر الجمود ودعوات الانقلاب على الديمقراطية أو العودة إلى الشمولية والتخلف.. ينبغي عليهم تمثل القيم الحقيقية للمعارضة البعيدة كل البعد عن تكريس ثقافة الهدم والتخريب، والعمل على تأمين المرحلة الراهنة وما يليها من عمر الوطن الواحد الكبير بالوعي المسئول والممارسة الملتزمة تجاه شراكة وطنية صادقة همها الوطن ثم الوطن ثم الوطن... عليهم تمثل الحقيقة التي تؤكد أن المعارضة هي الوجه الآخر للسلطة.. وكفى..