للوجع طعم حامض، وللظلم طعم مر، وحين تجمع الاثنين تصبح الحياة عذاباً أسطورياً على جريمة لم ترتكب. قد يتسرب الفساد إلى مؤسسات ومرافق حكومية، وتصادر إنسانية العاملين فيها، ويشعر المتضررون بالظلم فيخففون عن أنفسهم بشكر الله على الصحة..! ولكن حين يتسرب الفساد إلى مرفق، الأصل فيه أنه ملاذ العائذين من الوجع، وتصادر الإنسانية من قلوب المفترض أنها نبع للرحمة، هنا لا يمكن للوجع أن يكون وحيداً؛ لأن الظلم في مثل هذه الحالة يصير رفيقاً أزلياً ومخلصاً له. كثيراً ما يسرد الناس لك قصصاً أشبه بالخيال، مسرحها مستشفيات حكومية، يبررها البعض بكثرة الحالات التي قد تصل إلى الأطباء، مما يجعلهم يعجزون عن الإلمام بجميعها، ولكن لن أؤمن مطلقاً أن ذلك مبرر لأن يفقد الطبيب إنسانيته، ويلقب مع ذلك كله بملاك رحمة !! أمور كثيرة في المشافي الحكومية تجعلك تتبعثر في معادلة يصعب تجميعها أو فك رموزها..! كنت على موعد «مقرف» مع مستشفى الكويت الجامعي- وبالتحديد في قسم جراحة النساء - ولكي أخفف عن نفسي ذلك الكم الهائل من الألم الروحي أقنعت نفسي بأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه ..! هنا يتم علاج المرضى بالمجان، فقط عليهم أن يدفعوا قيمة أدويتهم، وقيمة المشرط والخيط والمغذية والإبرة، وشراء «سروال» أبيض من أجل الدخول بأمان وبالمجان إلى غرفة العمليات، وبعدها هو ونصيبه؛ إن نجحت العملية فلله الحمد والمنة ثم للطبيب الماهر الشكر، وإما إن كان العكس فكل ما على المريض عمله تسليم أمره لله ، والاستعداد لدخول الغرفة مرة أخرى وشراء المستلزمات ذاتها..! أما بنك الدم هنا فيعاني أحياناً كثيرة من الإفلاس؛ ربما بسبب ارتفاع سعر الدم العالمي، لذا وجب على المريض الصبر ومتابعة بورصة الدم ربما تنخفض..!! في المستشفى ذاته يوجد «سسترات» - يعني أخوات ممرضات هنود - كثيرات بعدد المرضى، يحملن في صدورهن قلوب الهندوس، الصراخ في وجوه المرضى عادتهن، وكأن مرضانا عبء على دولة الهند .. تعامل أسوأ من السيء بكثير. برره أحد المسئولين في إدارة المستشفى بأنه عائد إلى سوء تعامل المواطنين، وهو بالمناسبة يمني الأصل والجنسية والانتماء، ولكنه استطاع بسهولة أن يجد عذراً لهؤلاء الممرضات، ونسي أن اليمني بطبيعته مسالم ووديع، ولأن دورات المياه هناك تعاني من الخراب والإهمال فإنه يجوز أن تطلع المرأة على أختها المرأة داخل الدورة، كإشراف على الأداء الحكومي؟!! إذا أردت أن تجري تحقيقاً صحفياً في المستشفى فعليك أن تُطْلع عليه الإدارة حتى تعطيك الإذن بنشره - هكذا أخبرني أحد المسئولين في الإدارة - وبرر ذلك بأن الصحفيين في اليمن «مش نافعين» ولا يعرفون مبادئ ممارسة المهنة، كما أن الصحافة في اليمن أصلاً «أيّ كلام»؛ ربما لأنها لا ولن تكتب ما يريده هو.. أو لأنه يؤمن بالصحفيين الهنود كإيمانه ببراءة الممرضات الهنود .. ويبقى عمل الصحفي أو الطبيب ، وكل موظف أو مسئول لابد أن يكون من أجل الوطن والوطن فقط..!!