غرائب وعجائب يجدها أي متابع لمشاكل وقضايا الأراضي، وما يجري حولها من نزاعات ومشارعات تطول وتعرض لسنين طويلة، ويقدم طرفا هذه النزاعات خسائر فادحة من الأموال، يمكن بعضهم، إن لم يكن معظمهم، يخسر في المشارعة ضعف بل أضعاف ثمن الأرض المختلف عليها ويجري النزاع حولها... وحين توضح له ذلك يرد أنه فاهم بأن خسارته قد تجاوزت ثمن الأرض، وأن الخسارة كانت تكفي لشراء أرض أخرى... لكنه يستدرك، ويقول: إنما هذا حقك كيف تتركه ينهبونه. مستحيل أترك حقي لو بعت ما تحتي وما فوقي حتى لو بعت الكوت «المعطف» الذي فوقي... إذن العملية عملية «قِمْر»، لأنه في أكثر الحالات المساحة المتنازع عليها تكون جداً بسيطة، لو تفهم طرفا النزاع للمشكلة لحُلَّت دون مشارعات... لكن وحسب علمي أنهم يقعون تحت تأثير آخرين من الأسرة أو من الجيران أو من الأصدقاء، وفقاً لمبدأ هذا حقي لن أتنازل عنه حتى لو كان مقدار «بوصة»، وتحت تأثير «والله ما يغلبني فلان»، ويقلّل من قيمتي أمام الآخرين، خاصة «أهل البيت»... وهكذا ينخرط خصوم الأرض في مشارعة تستنزفهم الغالي والثمين، بل قد يؤدي النزاع إلى فتنة تنتهي بقتل وجرح وسجن وإعدام وديات وما شابه ذلك. هناك معارك أكبر تحدث حول الأراضي لكنها لا تكون حول الأراضي «الملك»، بل الأراضي المستأجرة من الأملاك أو الأوقاف... هذه المعارك بين المستأجرين «الباسطين» على الأرض كمساقٍ أو أراضٍ زراعية، والاختلاف يحدث حول حق رفع اليد، وحسب موقع الأرض قد يصل حق رفع اليد إلى مبالغ هائلة مما يؤدي إلى الاختلاف والنزاع... أيضاً قد تثور المعارك بين مستأجر قديم ومستأجر جديد، وعدم حسم الجهات المختصة للإشكال، فيذهبون إلى القضاء للمشارعة، فتطول وتعرض المشارعة والخسائر، مع أن المسألة سهلة، المستأجر الجديد هو الذي يعوّض، والأول يثبت على إيجاره، لكن قد يكون المتنازعان من «حمران العيون وساخني الجيوب»، فهذا يدفع، وهذا يدفع، وهكذا تستمر المشارعة وتتحول بعد ذلك إلى عصبيات، واحد يذهب لتسوير الأرض، والثاني يخرّب، فتبدأ المعركة وتنتهي بقتل ودم وجراح... وهكذا هي هذه القضايا دائمة متواصلة.