غمرتني الرغبة بالسير على الرصيف ذات يوم صيفي ممطر جميل.. كانت السماء تحتضن السحاب بحب آسر.. العربات تكشف عن ساقيها لتلهو بماء المطر... الشوارع تستلقي على ظهرها لتروي مسامها الضامئة لهثيم السماء.. البنايات ترقص على حجر المدينة كوليد صغير.. لأول مرة في حياتي أشعر بما قرأت عنه طويلاً ولم أفهم معناه.. «السعادة» اليوم وجدت ذلك الطعم اللاذع للبقاء.. تذوقت لذة التحليق في سماء المدينة وساقاي تمشيان على الرصيف.. عيناي هناك.. وأنا هنا.. أسير على صفحة قلبي وأحمل باقة من زهور البراري لأنثرها على نعش حريتي النائمة.. لون الأشجار الأخضر حرك إحساسي بالوجود.. راعية الأغنام السمراء رسمت لوحة من القناعة لونتها بالرضا فتعلمت منها أن لاشيء مستحيل.. صرخت دون أن أشعر.. صرخة صامتة لم يسمعها إلا قلبي.. افتحوا الأبواب.. اعبروا إلى الرصيف الآخر.. فالضوء الأخضر لايبقى أخضر إلى الأبد.. أطلقوا العنان لحبات الرمل أن تطير ضمن العاصفة.. افتحوا أفواهكم تحت هثيم السماء.. مزقوا أوراق الماضي وانثروها للرياح العقيم.. تلمسوا بأناملكم جسد الحياة الرغيد.. وابصقوا بالحنين بعيداً حيث لامرافئ .. لاسفن.. ولاأمواج عاتية.. افتحوا الأبواب.. ابحثوا عن الرضا.. واعشقوا الحياة على حقيقتها.. الخالية من صرخات الخوف.. العارية من المجاملة.. البريئة من الخيانة.. البعيدة عن السفه.. الحياة التي تعطي بلا انقطاع.. تسير بلا توقف.. تفتح ذراعيها بلا جحود.. الحياة التي تعلمنا بلا عصا.. تحبنا بلا خطيئة.. تحتوينا بلا تردد.. حياة ملونة بالود.. محفوفة بالألق.. متوجة بالعفاف.. افتحوا الأبواب.. حاولوا مثلي السير حفاةً على قارعة أفكاركم.. املأوا أحداقكم بوقود الأمنيات.. واعزفوا على أوتار جفونكم لحناً صامتاً لاتسمعه إلا ضبابية الليالي.. اغمروا أنوفكم بعطرالوجود.. تنشقوا طعم الحرية.. تنفسوا بعمق حتى تمتلئ الصدور ثم انفثوا الأحزان بعيداً أدراج الضياع.. افتحوا الأبواب واسمحوا للنور أن يغمركم بفيض الحقيقة..