أكثر من خمسين سفينة تعرضت للقرصنة البحرية في خليج عدن والسواحل الصومالية منذ بداية العام الحالي .. بالتأكيد الرقم مخيف ويضع أكثر من علامة استفهام أمام الأسباب والنتائج والأهداف وقدرات هؤلاء القراصنة على تهديد أهم ممر مائي دولي وتعريضه للخطر والجهات التي تقف وراءهم سواء صومالية أو إقليمية أو دولية. مالا يقل عن عشرين ألف ناقلة تبحر عبر خليج عدن سنوياً أي بمعدل 58 ناقلة يومياً محملة بالنفط الخليجي والبضائع الآتية من شرق آسيا وبالعكس البضائع الآتية من أوروبا وشمال أفريقيا وهو ما يجعل من هذا الممر شرياناً اقتصادياً للشرق والغرب وأي خطر يتعرض له هذا الممر يمثل تهديداً للاقتصاد العالمي. أعمال القرصنة لا تقف عند طابعها الجنائي في السطو على السفن بهدف الحصول على المال فقط فنتائجها توحي بأن وراءها بعداً سياسياً واستهدافاً أمنياً واضحاً للمنطقة ، قد تكون ملامح هذا الاستهداف غير واضحة الآن بسبب التقاطع في المصالح الأمنية في المنطقة للدول الكبرى والتي تسعى لوضع يدها بصورة أكثر قوة وبشرعية دولية على هذه المنطقة ، الأيام القادمة ستكشف القناع عن الجانب الخفي لهذه الأعمال ونتائجها. الحلول التي وصلت إليها بعض الدول الغربية ومحاولتها استصدار قرار من مجلس الأمن يخولها باستخدام القوة لإيقاف أعمال القرصنة بهدف إعطائها الشرعية الدولية لوجود البوارج والسفن الحربية في خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وإلغاء أي دور للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن هو استهداف آخر ضمن سلسلة استهداف الأمن القومي العربي وتخدم المصالح الغربية ولا تضع حلولاً لأصل المشكلة المتمثلة بالوضع الصومالي. استمرار القتال بين الفصائل الصومالية المتناحرة واستمرار التجاذبات الإقليمية لأطراف الصراع وتصفية حساباتها على الأراضي الصومالية وبمباركة دولية أفرز نتائج كارثية على الصوماليين وعلى المنطقة، وعلى هذا الأساس تأتي أهمية إدراك العرب خطورة ترك الساحة الصومالية لجيرانه الأفارقة يعبثون به كيفما شاءوا وكيفما شاءت الأطراف الدولية المعنية بهذا الصراع. الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ والمصالح القطرية معرضة للخطر كلما استهدف الأمن القومي العربي لذلك فإن استمرار القتال في الصومال وعدم وصول أطراف الصراع الصومالي إلى حلول تنهي هذه الحالة يجعل الأمن القومي معرضاً لمزيد من الاستباحة والتهديد. تعرّض خليج عدن لمخاطر القرصنة لن يترك أثره على الأمن اليمني وحده فمصر ودول الخليج العربي ستتأثر بصورة أكبر فقناة السويس تفقد أهميتها بغياب باب المندب كما أن النفط الخليجي المتدفق عبر هذا الممر إلى أوروبا سيتأثر بصورة كبيرة وهو ما سينعكس على الاقتصاد الخليجي. أمن البحر الأحمر يتطلب موقفاً عربياً يبتعد عن الحسابات القطرية والحساسيات (العربية العربية) ويرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجه الأمة العربية في هذا الإطار.