نحن نعلم أن العالم كان منقسماً إلى فسطاطين، الأول «الاشتراكي»، والثاني هو «الرأسمالي».. الأول يقوم على أساس «رأسمالية الدولة»، أي امتلاك الدولة لكل وسائل الإنتاج، أما الآخر فيقوم على «رأسمالية الفرد»، أي امتلاك الأفراد، بالانفراد أو بالشراكة، وسائل الإنتاج، وكان النظامان نقيضَي بعض، وضد بعض، وفي صراع مع بعض. على أي حال.. النظامان من إبداع الإنسان نظرياً وتطبيقياً... ونحن نعلم أن الإنسان كائن غير كامل، وبالتالي فإن إبداعه وفكره ونظرياته لا تتسم بالكمال.. أي أن النظرية «الاشتراكية» والنظرية «الرأسمالية» كانتا تحملان في مضامينهما وداخلهما سمة عدم الكمال، وتميزهما بالنقص والقصور، وهي سمات قد لا تظهر مباشرة في النظرية، لكنها غالباً ما تتكشف تدريجياً عند التطبيق... وعلينا عدم الاعتقاد بأن خصائص النقص والقصور تظهر مرة واحدة وفجأة عند التطبيق، لأن الظروف البشرية والاجتماعية والاقتصادية في بداية التطبيق قد تكون مهيأة وموائمة ومستجيبة إيجابياً مع النظرية، وإلى مسافة زمنية قد تصل إلى عمر جيل بكامله... لكن ما إن تبدأ التحولات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية وتبلغ أوجها، تبدأ ملامح وخصائص القصور والنقص والاختلالات في الظهور والتأثير السلبي على النظام برمته الذي يقوم على هذه النظرية أو تلك، خاصة حين تبدأ هذه النظريات بالعجز عن إشباع وتلبية حاجات الإنسان ورغباته التي تتطور تبعاً للتطور الذي أحدثته النظرية في حياة الفرد والجماعة... على أي حال حين يصل التطبيق للنظرية أوجه وذروته أيضاً تصل فاعلية الاختلالات والنقص والقصور ذروتها وأوجها، فيبدأ النظام - هنا - بالانحدار والمعاناة من التعسر والعجز ويتجه نحو الجمود والانهيار، وهو ما حصل للنظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية... ومثله الكساد الكبير الذي عانته الرأسمالية في ثلاثينيات القرن الماضي، وما تعانيه اليوم من إعصار مالي يعصف بمؤسساتها النقدية، وسيعصف باقتصادها وسيدخلها في نفق مظلم من الكساد العظيم... علماً أن هناك، إلى جانب الاختلالات الذاتية، اختلالات موضوعية في التطبيق، كالفساد، والانحراف، واللامبالاة والإهمال من قيادات التنفيذ وآلياته، وكذا سوء الإدارة. وعليه فإن التوازن بين اقتصاد الدولة، واقتصاد السوق الحر، من خلال اقتصاد خالٍ من الاحتكار والاستغلال والجشع والوحشية والمغالاة، ومن خلال اقتصادٍ يقوم على شراكة اجتماعية يسهم فيها المجتمع بكامله وتعود فوائده على المجتمع كله.