غاب الكتاب المدرسي عن الكثير من المدارس، وبعد السؤال عنه قالوا إنه سيأتي عما قريب، ومرت الأيام وطال الغياب، وبعد كل سؤال تأتي إجابة مختلفة عن الإجابة السابقة، وبعد أن نفدت الأعذار والإجابات المهدئة جاء الحل والجواب الشافي بأن من يحتاج إلى كتاب مدرسي فعليه الشراء من السوق.. والسلام. فالذي يبدو أن الكتب لن تصل بعد إلى المدارس وبعد التحري والسؤال عن سوق الكتاب المدرسي ذهبت إليه لأكتشف أن لا مشكلة على الاطلاق في وفرة الكتاب، ولامجال للحديث عن عجز في الطباعة وبارك الله في مطابع الكتاب التي أنجبت مئات الألوف من الكتب لكل الفصول والمستويات والمراحل الدراسية وبأحدث الطبعات، والمسؤولية لاتقع على كاهل هذه المطابع التي أنجبت الكتب ولا عليها إن ضلت هذه الكتب طريقها وذهبت إلى السوق السوداء واكتفى المسؤولون في وزارة التربية وفي المدارس بترديد أغنية العجز في الطباعة وأشياء من هذا القبيل وقولهم بأن الجهود تبذل على قدم وساق لتفادي العجز وتوفير ما غاب من الكتاب المدرسي.. في السوق وجدت معرضاً دائماً للكتاب المدرسي يفترش الأرض ويحتل مساحات كبيرة من أرصفة ميدان التحرير في أمانة العاصمة وهناك يستقبلك بائعو الكتاب المدرسي بابتسامة عريضة ومشرقة وبدماثة أخلاق قلّ أن تجد مثيلاً لها في أماكن كثيرة، وعند هؤلاء تجد كل ما تريده من ترحاب وكتاب.. كل الكتب متوفرة وبالكميات الكافية وماعليك إلا أن تطلب فتجد بعد أن تدفع الثمن المطلوب. في هذا السوق المهم لايمكن الحديث عن سعر محدد، فالحاجة هي التي تحدد الثمن، والباعة هم أدرى الناس بالكتاب المطلوب أكثر، وعندهم من الفراسة ما تكفي لمعرفة حاجة المشتري وكل واحد يحسب حسابه، وبنفس الطريقة التي يستقبلك بها البائع من الحفاوة والترحاب يودعك بها ويؤكد لك بأن هذا المكان هو عنوانه الدائم ويدعوك بثقة لزيارته مرات قادمة وكأنه على ثقة مطلقة بأن المشكلة لن تحل ولن تنتهي وهذا مايخيفني أكثر، فهؤلاء الناس يجعلونك تثق بهم أكثر مما تثق بتصريحات ووعود مدراء المدارس ومسؤولي وزارة التربية والتعليم ويقنعك الوضع بأنك بحاجة مستمرة لهؤلاء الباعة في المستقبل، وهكذا أثبتت لنا سنوات العجز في الكتاب المدرسي وجعلت الكثير من أولياء الأمور يقيمون علاقات طيبة وصداقات مع هؤلاء الباعة، لأنهم الملاذ الأخير لمواجهة العجز في الكتاب، وهم الأقدر على توفير ماغاب منه وما لم يكن معروضاً في الشارع فالمخازن السرية جديرة بتوفيره. سألت بائع الكتب المدرسية من أين تأتون بالكتب؟ فأجابني بابتسامة عريضة وكلها أدب واحترام من«....» واصفاً تجار الكتاب المدرسي بالوصف الذي رآه لائقاً بهم ولأنه يتعامل معهم كثيراً فهو أعلم بتفاصيل هذا الوصف ويستطيع تقدير المعنى جيداً. على كل حال بعد كل هذا الكلام تتضح الحقيقة، ويذهب العجب كل العجب من غياب الكتاب المدرسي أو بعضه على الأقل.. والمعادلة في سوق الكتب المدرسية تنص على أنه كلما زاد العجز في المدارس زاد المعروض في أرصفة الشوارع من الكتاب المدرسي، ويمكن تبديل الوضع لتصبح المعادلة كلما زاد المعروض من الكتاب المدرسي في أرصفة الشوارع زاد العجز في المدارس، وخلاصة كل هذا الأمر أن هناك الكثير من الطلاب وأولياء أمورهم لايستطيعون شراء الكتاب من السوق والنتيجة حرمان هؤلاء من الكتاب وهذا الحال له نتائج تدركها وزارة التربية والتعليم ويدركها الجميع فماذا هم فاعلون؟!.